بسم الله الرحمن الرحيم
مواقفهم في عهد الانتداب الفرنسي:
...سكن النصيريون جبال اللاذقية المنيعة وقلاعها الحصينة, كقلعة صهيون قرب الحفة وقلعة المرقب قرب بانياس وقلعة الحصن
قرب تلكاخ مما ساعدهم في الحفاظ على شخصيتهم الانعزالية وعقيدتهم الطائفية وتعصبهم لبعضهم كأقلية. ومما شجعهم بالتالي على
التعاون مع القوى الخارجية الغازية في سيطرتها على سكان البلاد الأصليين ولئن شجع المجلس الملي النصيري أتباعه على النزوح
للمدن بغية تضليل المسلمين والسيطرة عليهم, إلا أن الغالبية العظمى ظلت محتفظة بطابعها الطائفي وبعزلتها الشعورية
وبولائها لكل مستعمر دخيل. ورد في كتاب تطور الحركة الوطنية لزوقان قرقعط “درزي قومي”.
ففي كانون أول 1912م صرح بوانكاريه رئيس وزراء فرنسا في البرلمان الفرنسي آنذاك قائلاً: لست بحاجة أن أقول للمجلس:
إن لنا في لبنان وسورية مصالح تقليدية وأننا لعازمون على جعلها موضع احترام.
ولكي لا تتداخل خارطة التجزئة الفرنسية مع خارطة التجزئة البريطانية كانت الاتفاقيات التي تمت بينهما بعد الحرب العالمية
الأولى تهدف إلى الحفاظ على حصة كل منهما, فلقد استثنت بريطانيا في مراسلاتها مع الشريف حسين المناطق الداخلة في
حصة فرنسا والتي منها منطقة النصيريين في اللاذقية والإسكندرونة وبيروت, كما تم الاتفاق بين لويد جورج وكليمنصو
على أن يتم انسحاب الإنكليز من كليكية وسورية وجبل لبنان في 1 تشرين الثاني. على أن يحل محله الجيش الفرنسي
والذي انتشر بالفعل في الساحل السوري وكليكية, كما انتشر الجيش العربي في دمشق وحمص وحماة وحلب, وقد أثار
هذا الاتفاق مشاعر الغضب والاحتجاج لدى الملك فيصل والحركة الوطنية. وسافر فيصل إلى باريس في 20 تشرين
الأول 1919 لإجراء محادثات تهدف إلى وحدة القطر السوري واستقلاله, ولكن الجنرال غورو المفوض السامي
الفرنسي في بيروت أرسل إلى فرنسا يحذرها من التساهل مع فيصل لعدم رغبة النصيريين بالاتحاد مع
السوريين, فقال في برقيته كما ورد في كتاب بلاد الشام للكوثراني ص211 ما نصه:
وأفيدكم بهذا الصدد أن النصيريين الذين يستيقظ حسهم الإقليمي الذاتي قد ساعدوني
كثيراً في قمع الفتنة التي أثارها الشريف حسين في منطقة تلكلخ, ولقد تلقيت برقية
تفيد أن 73 زعيماً نصيرياً يتحدثون باسم جميع القبائل يطالبون بإنشاء اتحاد نصيري مستقل تحت حمايتنا المطلقة.
وبانتهاء الحرب قسم الفرنسيون سوريا إلى ثلاث حكومات منتدبة هي: حكومة بيروت وحكومة اللاذقية وحكومة الإسكندرونة.
أما بالنسبة لحكومة اللاذقية فقد ضمت إليها كافة النصيريين الملحقين بريف المحافظات المجاورة حماة وحلب وحمص.
وجلعت لها كياناً مستقلاً وسمتهم باسم حكومة العلويين وذلك بتاريخ 1/9/1925. وذلك تغطية لواقع هذه الطائفة الغريبة
عن المجتمع السوري؛ وذلك استجابة لرغبة النصيريين أنفسهم كما يذكر يوسف الحكيم في كتابه سورية والعهد العثماني ص68,
لقد أشار الملك فيصل على رجال الحركة الوطنية ضرورة عقد مؤتمر يضم ممثلين عن سوريا بمناطقها الثلاث يهدف
إلى إثبات رغبة الشعب السوري في الوحدة والتحرر.
ويقول الحكيم الذي شغل مناصب وزارية في عهد فيصل في الصفحة 99 من المرجع السابق: إن النصيرية أخلصوا للانتداب
الفرنسي ولم يبعثوا بنائب عنهم إلى المؤتمر السوري ويبرر موقفهم بأنه كان متفقاً مع مزية العرفان بالجميل حيث شملهم
الفرنسيون بالعناية والعدالة والعطف البارز.
وقد يتوهم البعض بأن ثورة صالح العلي النصيري كانت بدافع الوطنية مما يدل على وجود وطنيين بينهم وخونة كغيرهم من
الطوائف الأخرى ولكن المطلعين على تاريخ هذه الطائفة ليدللون على أنها لم تكن لدافع وطني بل كانت بدوافع شخصية وحجتهم في ذلك:
1 - أن ثورة صالح العلي كانت محصورة في منطقته ولم تعمم كافة مناطق النصيريين.
2 - يقول محمد كرد علي في خطط الشام ج3 ص 174, 175: أما مبعث ثورة صالح العلي, فإن الدراسة التحليلية لها
قادتنا إلى القول بأنها ترتبط أساساً بالصراع الذي كان قائماً بين النصيريين والإسماعيليين, وهو صراع قديم
اشتد حين استولى الإسماعيلية على بلدة القدموسي التي تعد من أهم مراكز النصيرية, وكان صالح العلي يشن هجماته
عليها لطرد الإسماعيلية منها, ولما جاء الفرنسيون وتحالفوا مع الإسماعيليين فكان طبيعياً أن يهاجم صالح العلي
الإسماعيلية وحلفاءهم الفرنسيين.
3 - استغلت الحكومة العربية برئاسة الملك فيصل النزاع القائم بين صالح العلي وخصومه الإسماعيليين وحلفائهم الفرنسيين,
فعينته نائباً عن جبل النصيريين لقاء تعاونه معهم كما اتصلت به حركة الاتحاديين في تركيا وأمدته بالسلاح لتضغط على فرنسا
فتجبرها على الانسحاب من كليكيا وتقطع كل صلة لها بالعروبة والإسلام وكان لها ذلك حيث انسحبت فرنسا من كليكيا عام 1920م.
4 - وما أنا تخلى الاتحاديون عن صالح العلي بعد انسحاب فرنسا من كليكية واشتدت هجمات الفرنسيين على صالح العلي حتى
استسلم عام 1921م بعد وساطة زعماء النصريين دون أن يمسوه بأذى بينا أعدموا كل من وقع في أيديهم من قادة الجهاد الوطني
من المسلمين.
5 - وقامت الثورة السورية في المحافظات عام 1925 واستمرت حتى عام 1927م ولم تحرك نداءات المجاهدين وقادة الحركة
الوطنية الشعور القومي والوطني لدى صالح العلي, مما يؤكد أن ثورته لم تكن بدوافع وطنية بل بدوافع شخصية وطائفية,
ولو كانت بدوافع وطنية لاستجاب صالح لنداءات المجاهدين ولضم جهوده إلى جهودهم.
ولكن صلحه مع المستعمرين أخمد في نفسه رغبته في تحرير وطنه, ولم يبق في الميدان سوى رجال
الحركة الوطنية يتجاوب معهم كافة أفراد الشعب المسلم, وتحرك يوسف العظمة وزير الحربية السوري
ليقاوم زحف الجيش الفرنسي في معركة غير متكافئة القوى, نال خلالها شرف الشهادة في الوقت الذي كان فيه
صالح العلي يعلم ولاءه للمستعمرين, واضمحلت روحه الوطنية التي تتاجر بها طائفته والجاهلون ممن حولهم.
وفي استعراض ميليران رئيس وزراء فرنسا لخطته المرسلة ببرقيته بتاريخ 6 أيار سنة 1920 يقول: وبالنسبة لهؤلاء
المقيمين في المنطقة الساحلية, والذين يتكلمون جميعاً اللغة العربية فيشكلون جماعة دينية مرتبطة نظرياً بالإسلام
لكنها في الواقع منفصلة عنه تماماً ويجب أن لا تندمج بالمسلمين.
وجاء قرار غورو في أيلول 1920 كما يقول يوسف الحكيم في كتاب الوثائق التاريخية ص 254 وثيقة رقم 43:
(إنه لما كان النصيرية قد صرحوا جلياً ومراراً بآمالهم بأن يكون لهم إدارة قائمة بذاتها تحت رعاية فرنسية؛
لأجل ذلك يجب أن تنشأ مقاطعة تجمع أكثرية هؤلاء ليتاح لهم أن يواصلوا السعي في سبيل مصالحهم السياسية والاقتصادية,
وتحقيقاً للأماني التي صرحوا بها) وأصر الفرنسيون على تقسيم سوريا إلى دويلات طائفية, فسموا
جبل العرب بحكومة الدروز وحكومة اللاذقية بحكومة العلويين, وضمت إليها أقضية صهيون وجبلة
وبانياس وصافيتا ولواء طرابلس الشام القديم ومصياف وطرطوس بلغت مسحتها آنذاك حوالي سبعة
آلاف كيلو متر كما ورد في كتاب بلاد الشام ص235, 236 للكوثراني.
وما أن بدأت فرنسا تتخذ سلسلة الإجراءات التمهيدية للاعتراف باستقلال سوريا حتى تقدم زعماء النصيرية بمذكرتهم إلى
الحكومة الفرنسية يطالبون بالإبقاء على انفصال منطقتهم, ففي الوثيقة 124 من وثائق الخارجية الفرنسية ذكر المفوض ا
لسامي بونسو في خطابه لوزير الخارجية بتاريخ 28 نيسان 1933م أن وفداً من وجهاء النصيرية برئاسة رئيس المجلس التمثيلي في
اللاذقية وصل بيروت لإبداء وجهة نظره بالوحدة السورية, وقد حدد رئيس المجلس موقفه بقوله: إننا لا نريدها بل على العكس نعارضها
فالسوريون يعدوننا من الوجهة الدينية وأكدوا معارضتهم حتى لاتحاد كونفدرالي.
وفي مذكرة بتاريخ 12 مارس 1933 تحمل اسم محمد سليمان الأحمد الابن الأكبر للشيخ سليمان الأحمد والمعروف باسم بدوي الجبل جاء فيها:
أن النصيريين ليسوا بمسلمين, ويذكر العالم الشهرستاني الذي يشكل أكبر موسوعة في الأديان يذكر في كتابه الملل والنحل أن
النصيرية من المذاهب الإلحادية ولا صلة لهم بالدين الإسلامي وأن تسمية أنفسهم مسلمين محض افتراء لجئوا إليها لتغطية زندقتهم.
وعن ثورة الشيخ صالح العلي تقول المذكرة: إنها حتمية نتيجة سوء التفاهم بادئ الأمر,
لكن الفرنسيين استثمروا هذه الثورة استثماراً نبيلاً حيث شملوا زعيمها بالعفو وعاملوه معاملة نبيلة.
ثم حددوا موقفهم من الوحدة السورية بقولهم: إننا نعلن تمسكنا بالاستقلال وإننا نرى في فرنسا منقذتنا في هذا المجال / وثيقة 205 /.
أما الوثيقة 492 والمؤرخة في 8 حزيران 1926 فقد جاء فيها ما يلي: لقد جاءت حكومة الانتداب إلى بلادنا ونحن فريقاً منا
بادئ الأمر إلى محاربة الجيش الفرنسي, ولكن الفريق الأكبر منا وثق بشرف فرنسا, فوضعنا أيدينا بيد الانتداب الذي قدر لنا
هذه الثقة فحفظ لنا استقلالنا ونظمه, ومنذ ذلك الحين أخلصنا لفرنسا إخلاصاً لا حد له, وزاد هذا الإخلاص أن جميع المفوضين
السامين كانوا يصرحون ويعدون باسم فرنسا بضمان هذا الاستقلال وحمايته, وكنا نتقبل هذه الوعود والتصريحات كما نتقبل كلام الله,
وكم كانت دهشتنا عظيمة حين رأينا الفرنسيين ولأول صدمة يتلقونها من السوريين يتناسون جميع وعودهم السابقة ويعدون
السوريين بإمكانية إلحاقنا بسوريا. إننا لا نسمح حتى لفرنسا الكريمة المحسنة أن تتصرف باستقلالنا وتهبه هدية لمن تريد,
متناسية إخلاصنا وتضحيتنا وثقتنا من جهة ووعودها وتأكيداتها من جهة أخرى, وفي الملف 493 من سجلات الخارجية
الفرنسية يسجل كتاب رئيس حكومة النصيريين إبراهيم الكنج المؤرخ في 25/6/1936, إلى وزير خارجية فرنسا يقول فيه:
كانت فرنسا وعدتنا بالاستقلال تحت حمايتها وقد حافظت على هذا الاتفاق ونظمته خلال الست عشرة سنة الماضية,
ونحن لا نرى إلا أنها تنسى التزاماتها ومهمتها التحريرية عندما توافق الآن على التضحية بنا إلى أعدائنا القدماء,
خلافاً لمصلحتها ومصلحتنا ولأجل أن أثبت حسن نوايانا واهتمامنا بالمصلحة العامة وفي حالة الاستحالة كلياً للإبقاء
على استقلالنا من وجهة النظر الدولية فنحن نوافق على بحث اتحاد دولتنا مع لبنان البلد الجار
الذي يتألف مثل بلادنا من أقليات سنتوصل دون شك إلى التفاهم معها وسنعرض مبررات
هذا الاتحاد اللبناني النصيري بما يلي:
1 - أن البلدين كانا مرتبطين بولاية بيروت في العهد العثماني.
2 - كان لهذين البلدين صلات اقتصادية واسعة.
3 - التشريعات الواردة في حكومة اللاذقية وحكومة لبنان بخلاف التشريعات السورية.
4 - يتألف لبنان من أقليات دينية وهذا يشبه حكومة اللاذقية.
5 - باتحاد حكومة اللاذقية ولبنان سيصبح لبنان الوطن الأوسع للأقليات في كل المشرق فيصبح عدد نفوسه ما يقارب 1.700.000 .
وفي الملف 493 تشير الوثيقة 852 إلى ما يلي: أن المجلس التمثيلي لدولة العلويين الذي يضم سبعة عشر عضواً
وفق عدد السكان إلى اثنى عشر عضواً نصيرياً يؤيدون الاستقلال خمسة منهم يؤيدون الوحدة مع سوريا ومن هؤلاء
الخمسة ثلاثة مسلمين سنيين واثنان نصيريان.
أما الوثيقة ذات رقم 3547 في وزارة الخارجية الفرنسية والتي وقع عليها سليمان الأسد ومحمد سليمان الأحمد,
ومحمود أغا حديد, وعزيز أغا هواش, وسليمان مرشد, ومحمد بك جنيد, وفيما يلي نص هذه الوثيقة نورده لأهميته:
((دولة ليون بلوم, رئيس الحكومة الفرنسية: إن الشعب العلوي الذي حافظ على استقلاله سنة فسنة بكثير من الغيرة
والتضحيات الكبيرة في النفوس, هو شعب يختلف في معتقداته الدينية وعاداته وتاريخه عن الشعب المسلم (السني).
ولم يحدث في يوم من الأيام أن خضع لسلطة من الداخل.
إننا نلمس اليوم كيف أن مواطني دمشق يرغمون اليهود القاطنين بين ظهرانيهم على عدم إرسال المواد الغذائية لإخوانهم
اليهود المنكوبين في فلسطين, وإن هؤلاء اليهود الطيبين الذين جاءوا إلى العرب المسلمين بالحضارة والسلام,
ونثروا على أرض فلسطين الذهب والرخاء, ولم يوقعوا الأذى بأحد, ولم يأخذوا شيئاً بالقوة, ومع ذلك أعلن المسلمون ضدهم الحرب
المقدسة بالرغم من وجود انكلترا في فلسطين وفرنسا في سوريا.
إننا نقدر نبل الشعور الذي يحملكم على الدفاع عن الشعب السوري ورغبته في تحقيق استقلاله, ولكن سوريا
لا تزال بعيدة عن الهدف الشريف, خاضعة لروح الإقطاعية الدينية للمسلمين.
ونحن الشعب العلوي الذي مثله الموقعون على هذه المذكرة, نستصرخ حكومة فرنسا ضماناً لحريته واستقلاله, ويضع بين يديها
مصيره ومستقبله, وهو واثق أنه لابد واجد لديهم سنداً قوياً لشعب علوي صديق, قدم لفرنسا خدمات عظيمة))
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .
ملاحظة:
لمحة عن تاريخ النصيريين الذي لم يدرس في مدارس سوريا , و طمسته حكومات ما بعد الإستقلال , ولم يبحث به ,
فنتيجة هذا التعتيم كانت كارثية على شعب سوريا الذي لا يقرأ وإذا قرأ لا يفهم وإذا فهم لا يطبق حسب قول موشيه دايان,
, وبرأي انه لقول صحيح
ايمان 21
مواقفهم في عهد الانتداب الفرنسي:
...سكن النصيريون جبال اللاذقية المنيعة وقلاعها الحصينة, كقلعة صهيون قرب الحفة وقلعة المرقب قرب بانياس وقلعة الحصن
قرب تلكاخ مما ساعدهم في الحفاظ على شخصيتهم الانعزالية وعقيدتهم الطائفية وتعصبهم لبعضهم كأقلية. ومما شجعهم بالتالي على
التعاون مع القوى الخارجية الغازية في سيطرتها على سكان البلاد الأصليين ولئن شجع المجلس الملي النصيري أتباعه على النزوح
للمدن بغية تضليل المسلمين والسيطرة عليهم, إلا أن الغالبية العظمى ظلت محتفظة بطابعها الطائفي وبعزلتها الشعورية
وبولائها لكل مستعمر دخيل. ورد في كتاب تطور الحركة الوطنية لزوقان قرقعط “درزي قومي”.
ففي كانون أول 1912م صرح بوانكاريه رئيس وزراء فرنسا في البرلمان الفرنسي آنذاك قائلاً: لست بحاجة أن أقول للمجلس:
إن لنا في لبنان وسورية مصالح تقليدية وأننا لعازمون على جعلها موضع احترام.
ولكي لا تتداخل خارطة التجزئة الفرنسية مع خارطة التجزئة البريطانية كانت الاتفاقيات التي تمت بينهما بعد الحرب العالمية
الأولى تهدف إلى الحفاظ على حصة كل منهما, فلقد استثنت بريطانيا في مراسلاتها مع الشريف حسين المناطق الداخلة في
حصة فرنسا والتي منها منطقة النصيريين في اللاذقية والإسكندرونة وبيروت, كما تم الاتفاق بين لويد جورج وكليمنصو
على أن يتم انسحاب الإنكليز من كليكية وسورية وجبل لبنان في 1 تشرين الثاني. على أن يحل محله الجيش الفرنسي
والذي انتشر بالفعل في الساحل السوري وكليكية, كما انتشر الجيش العربي في دمشق وحمص وحماة وحلب, وقد أثار
هذا الاتفاق مشاعر الغضب والاحتجاج لدى الملك فيصل والحركة الوطنية. وسافر فيصل إلى باريس في 20 تشرين
الأول 1919 لإجراء محادثات تهدف إلى وحدة القطر السوري واستقلاله, ولكن الجنرال غورو المفوض السامي
الفرنسي في بيروت أرسل إلى فرنسا يحذرها من التساهل مع فيصل لعدم رغبة النصيريين بالاتحاد مع
السوريين, فقال في برقيته كما ورد في كتاب بلاد الشام للكوثراني ص211 ما نصه:
وأفيدكم بهذا الصدد أن النصيريين الذين يستيقظ حسهم الإقليمي الذاتي قد ساعدوني
كثيراً في قمع الفتنة التي أثارها الشريف حسين في منطقة تلكلخ, ولقد تلقيت برقية
تفيد أن 73 زعيماً نصيرياً يتحدثون باسم جميع القبائل يطالبون بإنشاء اتحاد نصيري مستقل تحت حمايتنا المطلقة.
وبانتهاء الحرب قسم الفرنسيون سوريا إلى ثلاث حكومات منتدبة هي: حكومة بيروت وحكومة اللاذقية وحكومة الإسكندرونة.
أما بالنسبة لحكومة اللاذقية فقد ضمت إليها كافة النصيريين الملحقين بريف المحافظات المجاورة حماة وحلب وحمص.
وجلعت لها كياناً مستقلاً وسمتهم باسم حكومة العلويين وذلك بتاريخ 1/9/1925. وذلك تغطية لواقع هذه الطائفة الغريبة
عن المجتمع السوري؛ وذلك استجابة لرغبة النصيريين أنفسهم كما يذكر يوسف الحكيم في كتابه سورية والعهد العثماني ص68,
لقد أشار الملك فيصل على رجال الحركة الوطنية ضرورة عقد مؤتمر يضم ممثلين عن سوريا بمناطقها الثلاث يهدف
إلى إثبات رغبة الشعب السوري في الوحدة والتحرر.
ويقول الحكيم الذي شغل مناصب وزارية في عهد فيصل في الصفحة 99 من المرجع السابق: إن النصيرية أخلصوا للانتداب
الفرنسي ولم يبعثوا بنائب عنهم إلى المؤتمر السوري ويبرر موقفهم بأنه كان متفقاً مع مزية العرفان بالجميل حيث شملهم
الفرنسيون بالعناية والعدالة والعطف البارز.
وقد يتوهم البعض بأن ثورة صالح العلي النصيري كانت بدافع الوطنية مما يدل على وجود وطنيين بينهم وخونة كغيرهم من
الطوائف الأخرى ولكن المطلعين على تاريخ هذه الطائفة ليدللون على أنها لم تكن لدافع وطني بل كانت بدوافع شخصية وحجتهم في ذلك:
1 - أن ثورة صالح العلي كانت محصورة في منطقته ولم تعمم كافة مناطق النصيريين.
2 - يقول محمد كرد علي في خطط الشام ج3 ص 174, 175: أما مبعث ثورة صالح العلي, فإن الدراسة التحليلية لها
قادتنا إلى القول بأنها ترتبط أساساً بالصراع الذي كان قائماً بين النصيريين والإسماعيليين, وهو صراع قديم
اشتد حين استولى الإسماعيلية على بلدة القدموسي التي تعد من أهم مراكز النصيرية, وكان صالح العلي يشن هجماته
عليها لطرد الإسماعيلية منها, ولما جاء الفرنسيون وتحالفوا مع الإسماعيليين فكان طبيعياً أن يهاجم صالح العلي
الإسماعيلية وحلفاءهم الفرنسيين.
3 - استغلت الحكومة العربية برئاسة الملك فيصل النزاع القائم بين صالح العلي وخصومه الإسماعيليين وحلفائهم الفرنسيين,
فعينته نائباً عن جبل النصيريين لقاء تعاونه معهم كما اتصلت به حركة الاتحاديين في تركيا وأمدته بالسلاح لتضغط على فرنسا
فتجبرها على الانسحاب من كليكيا وتقطع كل صلة لها بالعروبة والإسلام وكان لها ذلك حيث انسحبت فرنسا من كليكيا عام 1920م.
4 - وما أنا تخلى الاتحاديون عن صالح العلي بعد انسحاب فرنسا من كليكية واشتدت هجمات الفرنسيين على صالح العلي حتى
استسلم عام 1921م بعد وساطة زعماء النصريين دون أن يمسوه بأذى بينا أعدموا كل من وقع في أيديهم من قادة الجهاد الوطني
من المسلمين.
5 - وقامت الثورة السورية في المحافظات عام 1925 واستمرت حتى عام 1927م ولم تحرك نداءات المجاهدين وقادة الحركة
الوطنية الشعور القومي والوطني لدى صالح العلي, مما يؤكد أن ثورته لم تكن بدوافع وطنية بل بدوافع شخصية وطائفية,
ولو كانت بدوافع وطنية لاستجاب صالح لنداءات المجاهدين ولضم جهوده إلى جهودهم.
ولكن صلحه مع المستعمرين أخمد في نفسه رغبته في تحرير وطنه, ولم يبق في الميدان سوى رجال
الحركة الوطنية يتجاوب معهم كافة أفراد الشعب المسلم, وتحرك يوسف العظمة وزير الحربية السوري
ليقاوم زحف الجيش الفرنسي في معركة غير متكافئة القوى, نال خلالها شرف الشهادة في الوقت الذي كان فيه
صالح العلي يعلم ولاءه للمستعمرين, واضمحلت روحه الوطنية التي تتاجر بها طائفته والجاهلون ممن حولهم.
وفي استعراض ميليران رئيس وزراء فرنسا لخطته المرسلة ببرقيته بتاريخ 6 أيار سنة 1920 يقول: وبالنسبة لهؤلاء
المقيمين في المنطقة الساحلية, والذين يتكلمون جميعاً اللغة العربية فيشكلون جماعة دينية مرتبطة نظرياً بالإسلام
لكنها في الواقع منفصلة عنه تماماً ويجب أن لا تندمج بالمسلمين.
وجاء قرار غورو في أيلول 1920 كما يقول يوسف الحكيم في كتاب الوثائق التاريخية ص 254 وثيقة رقم 43:
(إنه لما كان النصيرية قد صرحوا جلياً ومراراً بآمالهم بأن يكون لهم إدارة قائمة بذاتها تحت رعاية فرنسية؛
لأجل ذلك يجب أن تنشأ مقاطعة تجمع أكثرية هؤلاء ليتاح لهم أن يواصلوا السعي في سبيل مصالحهم السياسية والاقتصادية,
وتحقيقاً للأماني التي صرحوا بها) وأصر الفرنسيون على تقسيم سوريا إلى دويلات طائفية, فسموا
جبل العرب بحكومة الدروز وحكومة اللاذقية بحكومة العلويين, وضمت إليها أقضية صهيون وجبلة
وبانياس وصافيتا ولواء طرابلس الشام القديم ومصياف وطرطوس بلغت مسحتها آنذاك حوالي سبعة
آلاف كيلو متر كما ورد في كتاب بلاد الشام ص235, 236 للكوثراني.
وما أن بدأت فرنسا تتخذ سلسلة الإجراءات التمهيدية للاعتراف باستقلال سوريا حتى تقدم زعماء النصيرية بمذكرتهم إلى
الحكومة الفرنسية يطالبون بالإبقاء على انفصال منطقتهم, ففي الوثيقة 124 من وثائق الخارجية الفرنسية ذكر المفوض ا
لسامي بونسو في خطابه لوزير الخارجية بتاريخ 28 نيسان 1933م أن وفداً من وجهاء النصيرية برئاسة رئيس المجلس التمثيلي في
اللاذقية وصل بيروت لإبداء وجهة نظره بالوحدة السورية, وقد حدد رئيس المجلس موقفه بقوله: إننا لا نريدها بل على العكس نعارضها
فالسوريون يعدوننا من الوجهة الدينية وأكدوا معارضتهم حتى لاتحاد كونفدرالي.
وفي مذكرة بتاريخ 12 مارس 1933 تحمل اسم محمد سليمان الأحمد الابن الأكبر للشيخ سليمان الأحمد والمعروف باسم بدوي الجبل جاء فيها:
أن النصيريين ليسوا بمسلمين, ويذكر العالم الشهرستاني الذي يشكل أكبر موسوعة في الأديان يذكر في كتابه الملل والنحل أن
النصيرية من المذاهب الإلحادية ولا صلة لهم بالدين الإسلامي وأن تسمية أنفسهم مسلمين محض افتراء لجئوا إليها لتغطية زندقتهم.
وعن ثورة الشيخ صالح العلي تقول المذكرة: إنها حتمية نتيجة سوء التفاهم بادئ الأمر,
لكن الفرنسيين استثمروا هذه الثورة استثماراً نبيلاً حيث شملوا زعيمها بالعفو وعاملوه معاملة نبيلة.
ثم حددوا موقفهم من الوحدة السورية بقولهم: إننا نعلن تمسكنا بالاستقلال وإننا نرى في فرنسا منقذتنا في هذا المجال / وثيقة 205 /.
أما الوثيقة 492 والمؤرخة في 8 حزيران 1926 فقد جاء فيها ما يلي: لقد جاءت حكومة الانتداب إلى بلادنا ونحن فريقاً منا
بادئ الأمر إلى محاربة الجيش الفرنسي, ولكن الفريق الأكبر منا وثق بشرف فرنسا, فوضعنا أيدينا بيد الانتداب الذي قدر لنا
هذه الثقة فحفظ لنا استقلالنا ونظمه, ومنذ ذلك الحين أخلصنا لفرنسا إخلاصاً لا حد له, وزاد هذا الإخلاص أن جميع المفوضين
السامين كانوا يصرحون ويعدون باسم فرنسا بضمان هذا الاستقلال وحمايته, وكنا نتقبل هذه الوعود والتصريحات كما نتقبل كلام الله,
وكم كانت دهشتنا عظيمة حين رأينا الفرنسيين ولأول صدمة يتلقونها من السوريين يتناسون جميع وعودهم السابقة ويعدون
السوريين بإمكانية إلحاقنا بسوريا. إننا لا نسمح حتى لفرنسا الكريمة المحسنة أن تتصرف باستقلالنا وتهبه هدية لمن تريد,
متناسية إخلاصنا وتضحيتنا وثقتنا من جهة ووعودها وتأكيداتها من جهة أخرى, وفي الملف 493 من سجلات الخارجية
الفرنسية يسجل كتاب رئيس حكومة النصيريين إبراهيم الكنج المؤرخ في 25/6/1936, إلى وزير خارجية فرنسا يقول فيه:
كانت فرنسا وعدتنا بالاستقلال تحت حمايتها وقد حافظت على هذا الاتفاق ونظمته خلال الست عشرة سنة الماضية,
ونحن لا نرى إلا أنها تنسى التزاماتها ومهمتها التحريرية عندما توافق الآن على التضحية بنا إلى أعدائنا القدماء,
خلافاً لمصلحتها ومصلحتنا ولأجل أن أثبت حسن نوايانا واهتمامنا بالمصلحة العامة وفي حالة الاستحالة كلياً للإبقاء
على استقلالنا من وجهة النظر الدولية فنحن نوافق على بحث اتحاد دولتنا مع لبنان البلد الجار
الذي يتألف مثل بلادنا من أقليات سنتوصل دون شك إلى التفاهم معها وسنعرض مبررات
هذا الاتحاد اللبناني النصيري بما يلي:
1 - أن البلدين كانا مرتبطين بولاية بيروت في العهد العثماني.
2 - كان لهذين البلدين صلات اقتصادية واسعة.
3 - التشريعات الواردة في حكومة اللاذقية وحكومة لبنان بخلاف التشريعات السورية.
4 - يتألف لبنان من أقليات دينية وهذا يشبه حكومة اللاذقية.
5 - باتحاد حكومة اللاذقية ولبنان سيصبح لبنان الوطن الأوسع للأقليات في كل المشرق فيصبح عدد نفوسه ما يقارب 1.700.000 .
وفي الملف 493 تشير الوثيقة 852 إلى ما يلي: أن المجلس التمثيلي لدولة العلويين الذي يضم سبعة عشر عضواً
وفق عدد السكان إلى اثنى عشر عضواً نصيرياً يؤيدون الاستقلال خمسة منهم يؤيدون الوحدة مع سوريا ومن هؤلاء
الخمسة ثلاثة مسلمين سنيين واثنان نصيريان.
أما الوثيقة ذات رقم 3547 في وزارة الخارجية الفرنسية والتي وقع عليها سليمان الأسد ومحمد سليمان الأحمد,
ومحمود أغا حديد, وعزيز أغا هواش, وسليمان مرشد, ومحمد بك جنيد, وفيما يلي نص هذه الوثيقة نورده لأهميته:
((دولة ليون بلوم, رئيس الحكومة الفرنسية: إن الشعب العلوي الذي حافظ على استقلاله سنة فسنة بكثير من الغيرة
والتضحيات الكبيرة في النفوس, هو شعب يختلف في معتقداته الدينية وعاداته وتاريخه عن الشعب المسلم (السني).
ولم يحدث في يوم من الأيام أن خضع لسلطة من الداخل.
إننا نلمس اليوم كيف أن مواطني دمشق يرغمون اليهود القاطنين بين ظهرانيهم على عدم إرسال المواد الغذائية لإخوانهم
اليهود المنكوبين في فلسطين, وإن هؤلاء اليهود الطيبين الذين جاءوا إلى العرب المسلمين بالحضارة والسلام,
ونثروا على أرض فلسطين الذهب والرخاء, ولم يوقعوا الأذى بأحد, ولم يأخذوا شيئاً بالقوة, ومع ذلك أعلن المسلمون ضدهم الحرب
المقدسة بالرغم من وجود انكلترا في فلسطين وفرنسا في سوريا.
إننا نقدر نبل الشعور الذي يحملكم على الدفاع عن الشعب السوري ورغبته في تحقيق استقلاله, ولكن سوريا
لا تزال بعيدة عن الهدف الشريف, خاضعة لروح الإقطاعية الدينية للمسلمين.
ونحن الشعب العلوي الذي مثله الموقعون على هذه المذكرة, نستصرخ حكومة فرنسا ضماناً لحريته واستقلاله, ويضع بين يديها
مصيره ومستقبله, وهو واثق أنه لابد واجد لديهم سنداً قوياً لشعب علوي صديق, قدم لفرنسا خدمات عظيمة))
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .
ملاحظة:
لمحة عن تاريخ النصيريين الذي لم يدرس في مدارس سوريا , و طمسته حكومات ما بعد الإستقلال , ولم يبحث به ,
فنتيجة هذا التعتيم كانت كارثية على شعب سوريا الذي لا يقرأ وإذا قرأ لا يفهم وإذا فهم لا يطبق حسب قول موشيه دايان,
, وبرأي انه لقول صحيح
ايمان 21