سوريا يا حبيبتي



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

سوريا يا حبيبتي

سوريا يا حبيبتي

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
سوريا يا حبيبتي

سوريا يا حبيبتي

يسرادارة منتدى سوريا ياحبيبتي ان ترحب بالاخ ( سالم حنفي ) اهلا وسهلا به
يسر إدارة منتدى سوريا ياحبيبتي أن ترحب العضو الجديد ((( رند ))) فمرحبا به
يسر ادارة منتدى سوريا ياحبيبتي ان ترحب بالاخت ( ياسمين الشام 1 ) اهلا وسهلا بها
يسر إدارة منتدى سوريا ياحبيبتي أن ترحب بالعضو الجديد ((د . باسل )) أهلا وسهلا به
يسر إدارة منتدى سوريا ياحبيبتي أن ترحب ب (عاشقة سوريا ) اهلا وسهلا بها
يسر ادارة منتدى سوريا ياحبيبتي ان ترحب ب ( سمري ياحرة ) اهلا وسهلا به

    سوريا مزرعة الاسد

    أ-جولاق
    أ-جولاق
    عضو مميز
    عضو مميز


    عدد المساهمات : 186
    تاريخ التسجيل : 12/04/2010

    سوريا مزرعة الاسد Empty سوريا مزرعة الاسد

    مُساهمة من طرف أ-جولاق السبت نوفمبر 30, 2013 12:11 am


    الحلقة الاولى :
    من كتب التاريخ :
    كانت سوريا مثل غيرها من البلدان العربية، تحت ظل الخلافة العثمانية ، ثم في اتفاقية سايكس بيكو، وكانت سوريا من نصيب فرنسا، لذلك دخل الجيش الفرنسي دمشق في تموز (1920م) .
    عاشت سوريا ربع قرن تحت الانتداب الفرنسي، حيث عسكرت القوات الفرنسية في الساحل السوري، وعينت حكومات مدنية تدير شؤون البلد، وواجهت فرنسا عدة ثورات متواصلة كان أكثرها يخرج من المساجد بقيادة العلم...اء المسلمين .
    وفي عام (1945 م) أي في نهاية الحرب العالمية الثانية جلت فرنسا عن سوريا، مخلفة وراءها نواة للجيش العربي السوري، فيه ضباط طامعون ومتطلعون إلى الحكم، اتخذوا الجيش أداة للوصول إلى السلطة .
    قامت حكومة وطنية سورية بعد جلاء فرنسا، استمرت حتى عام (1949م) حيث وقع انقلاب حسني الزعيم، وهو أول من فتح باب الانقلابات العسكرية التي جرّت الويلات على سوريا. ولم يفتأ أن قام بعده انقلاب سامي الحناوي - قائد لواء - في (14/8/1949م) وقبض على حسني الزعيم ورئيس وزرائه محسن البرازي وقتلهما، وسلم الحكم للمدنيين، وأعاد الضابط أديب الشيشكلي إلى القوات المسلحة بعد أن سرحه منها حسني الزعيم، وفي (17/12/1949) قام أديب الشيشكلي بانقلابه الأول، ثم انقلاب الشيشكلي الثاني (2/12/1951م)، ثم وقع انقلاب عسكري بقيادة النقيب مصطفى حمدون أحد أنصار أكرم الحوراني، وطرد الشيشكلي من سوريا (25/2/1954م)، وقامت فيها حياة نيابية برئاسة شكري القوتلي يرحمه الله، استمرت حتى الوحدة مع مصر عام (1958م) وهذه الفترة هي الفترة الذهبية في سوريا، لأنها كانت ديموقراطية تقريباً .
    ((هل تعلم ان شكري القوتلي : الرئيس السوري الوحيد الذي ترك كرسي الرئاسة بإرادته، وقد تركه لجمال عبد الناصر عندما قامت الوحدة. ومات في أحد مشافي لبنان، وعجز أولاده عن دفع تكاليف المستشفى؛ فسددها الملك فيصل بن عبد العزيز يرحمه الله. ))
    يقول محمد عبد الرحمن الأنصاري في مؤلفه (تاريخ سوريا الحديث).
    ( وقد كان هذا الجيش الحديث النشأة والتكوين يفتقر إلى الكثير من مقومات الجيش الانضباطي، من تدريب وسلاح وروح معنوية عالية... وهذه المواصفات، جعلت الجيش السوري الناشئ مطية سهلة للمغامرين من ضباطه، وكان سبباً من أسباب الشقاق والتمزق داخل صفوفه، ومن ثم انشغاله عن واجبه المقدس في حماية البلاد، والدفاع عن حدودها، وزجه بعد ذلك في خضم السياسة والنزاعات الحزبية والطائفية والعشائرية.
    وخلاصة القول: إن هذا الجيش الذي دُفع للقيام بالانقلاب الأول، كان جيشاً ناشئاً، ويعتبر إلى حد بعيد من بقايا الجيوش المرتزقة أيام الانتداب الفرنسي الغاشم.)
    عهد الوحدة
    كانت الوحدة بين الأقطار العربية أملاً يظنه العرب سهل المنال، فقد كانت هذه البلاد دولة واحدة تحت الخلافة العثمانية، تتكلم لغة واحدة، وتدين بدين واحد، ولا توجد حدود بينها ولها تاريخ واحد، لذلك فالوحدة أمر حتمي، ومن أول الواجبات بعد الاستقلال، وكان الحديث عن مقومات الوحدة العربية الموضوع الأساسي؛ في التاريخ والتربية الوطنية والجغرافيا والأدب والنصوص والتعبير والتربية الفنية، وكانت جميع المناهج مركزة على بث روح الوحدة العربية بين الناشئة، وتنمية الشعور القومي عندهم، حتى أفعم جيلنا بالشعور القومي العربي الوحدوي.
    ونشأنا في جيل أتخم بالشعور القومي الوحدوي، وكان الشعور والفهم يومذاك أنه عندما تتوحد سوريا ومصر فقط سوف نرمي الصهاينة في البحر ونحرر فلسطين (كل فلسطين) منهم، بل يجب أن نحرر عدة أجزاء مغتصبة من العالم العربي منها كما أذكر لواء اسكندرون الذي قطعه الفرنسيون من سوريا وأعطوه للأتراك

    انتشر حزب البعث العربي الاشتراكي الذي أسسه ميشيل عفلق وزكي الأرسوزي وصلاح الدين البيطار وأكرم الحوراني- انتشر بين العمال والفلاحين وصغار المثقفين والكسبة، ووضع الهدف الأول من أهدافه (الوحدة) وكان أنصاره يهتفون (وحدة، حرية، اشتراكية)، فالوحدة هي الهدف الأول، وهي الخطوة الأولى التي تمكن العرب من التحرر فيتحقق الهدف الثاني للحزب وهو الحرية، ولابد من الوحدة العربية والتحرر من التبعية الاقتصادية الاستعمارية لتقوم الاشتراكية بعد ذلك.
    ((وقد تبين من خلال مسيرة الحزب أنه يدعو إلى عكس ما يفعل تماماً فقد دعا إلى الوحدة، وهاهو يحكم سوريا والعراق منذ أكثر من ربع قرن، وقد حفر النظام الأسدي، خندقاً على طول حدودهم مع العراق، ولم يفعلوا ذلك مع إسرائيل. ودقوا أسافين الفرقة بين أبناء الوطن الواحد، وأحيوا الطائفية وأصَّلوها حتى صارت بدهية متعارفاً عليها. ودعوا إلى الحرية وهاهم يحكمون بالأحكام العرفية منذ عام (1963) عندما استلموا الحكم في سوريا، وبنوا من السجون أكثر من الجامعات، وقتلوا من شعبهم أكثر مما قتلوا من أعدائهم بآلاف المرات، ودعوا إلى الاشتراكية وسرقوا أموال الشعب، حتى صار آلاف من كبار أعضاء الحزب والجيش والمخابرات من كبار الرأسماليين في العالم، يملكون العمارات الضخمة في لندن وباريس وماربيا وواشنطن، كما يملكون أساطيل النقل البحري، وأفقروا الشعب حتى صار ذليلاً يبحث عن لقمة عيشه بين فتات موائدهم. وأفقروا الموظفين حتى جعلوهم يطلبون الرشوة علناً من المواطنين المراجعين ومن غير المواطنين، حتى صارت سوريا مضرب المثل في الرشوة.))
    عهد الانفصال (28/9/1961- 8/3/1963):
    منذ السابعة صباح يوم (28/9/1961م) بدأت إذاعة دمشق تبث الموسيقى العسكرية، ثم قطعت برنامجها اليومي ليقول المذيع: هنا دمشق إذاعة الجمهورية العربية السورية، وقبل ساعات كانت (المتحدة وليس السورية)، ثم قدم المذيع نبأ الانقلاب العسكري الذي شكل بموجبه مجلس عسكري قرر فصل سوريا عن دولة الوحدة مع مصر، نتيجة التجاوزات والظلم الذي وقع على الشعب السوري، كما قال المذيع، واستمرت الموسيقى العسكرية طوال النهار، بينما تذاع برقيات التأييد من الوحدات العسكرية.
    كان هذا النبأ مصيبة كبرى لمعظم الناس - وخاصة الشباب - وقوبل الانفصال برفض شعبي كبير
    حاول عبدالناصر إرسال وحدات من القوات الخاصة لإعادة الأمر إلى نصابه، ولكن الانقلابيين السوريين كانوا قد رتبوا أمرهم عسكرياً، ويبدو أن النقمة على المصريين في الجيش كانت منتشرة إلى حد كبير. وقد استسلم حوالي (200) مظلي مصري أنزلهم عبد الناصر في الساحل السوري، ثم تبين له عدم جدوى المحاولة.
    سنة ونصف من الحرية السياسية في سوريا:
    بدأ الانفصال يوم (28/9/1961م) واستمر حتى يوم (8/ آذار/ 1963م) عاشت سوريا خلالها فترة نادرة من الحكم النيابي، حيث عادت الأحزاب إلى العمل السياسي العلني ومنها جماعة الإخوان المسلمون
    وأجريت انتخابات تشريعية نجحت فيها شرائح من الإخوان وكانت كتلة الإخوان وأنصارهم عشرين نائباً ، ونجحت كذلك مجموعة من الاشتراكيين (انقسم حزب البعث العربي الاشتراكي إلى حزبين الأول سموه الحزب العربي الاشتراكي بزعامة أكرم الحوراني وقد شارك في فترة الانفصال، والثاني بقي في العمل السري وهو حزب البعث الذي حكم سوريا بعد ذلك، وكذلك صلاح البيطار وعفلق، كما نشط الحزب الشيوعي وعاد إلى العمل السياسي بزعامة خالد بكداش. وانتخب الدكتور ناظم القدسي (من حزب الشعب) رئيساً للجمهورية، وكلف خالد العظم برئاسة الوزارة، وكان معروف الدواليبي من رجال الحكومة المرموقين.
    واختفى اسم المباحث أو المخابرات، وصار الطلاب يكتبون على السبورة نكتاً ثقيلة جداً على أعضاء الحكومة؛ إذ أن التيار العام لدى الشباب تيار وحدوي، وكان كل مواطن يعبر عن رأيه بحرية تامة دون أن يحاسب.وقد رأيت بعيني مرات عديدة سباً وشتماً يكتب على السبورة؛ ضد رئيس الجمهورية أو رئيس مجلس الوزراء، ناهيك عن الوزراء، ولم يصب أحد من الطلاب بأذى.
    ومما يلفت النظر أنه وقعت معركة شرسة على الحدود مع إسرائيل في عهد ما سُمِّيَ بالانفصال كانت في صالح سوريا واستشهد فيها ضابط من آل الدباس، وقد غنم السوريون عدة آليات من العدو عرضت في ساحة المرجة بدمشق عدة أيام، وربما كانت آخر معركة ينتصر فيها الجيش العربي السوري.
    (( طبعا كانت هذه آخر معركة انتصر فيها السوريون عسكريًا في نصف القرن الماضي قبل أن يخرب الأسد الجيش السوري، وكان بطلها الملازم أول محمود الدباس يرحمه الله، من دمشق ))
    النظام الأسدي يحكم سوريا :
    ((سوف يتضح من البحث أن حافظ الأسد هو المخطط والمنفذ لانقلاب (8/3/1963م) لكن من وراء ستار، واستمر يعمل في الخفاء حتى (23/2/1966م)، عندما عاد من دورة في لندن لمدة ثلاثة شهور، تدرب فيها على الصراع العلني، حيث تخلص من صلاح جديد، ثم من العلويين...))
    خلال فترة الوحدة تشكلت خلية حزبية سرية من البعثيين. رفضت قرار حل الحزب، ضمت كلاً من صلاح جديد، وعبد الكريم الجندي، ومحمد عمران، وحافظ الأسد، وأحمد المير، عرفت باسم اللجنة العسكرية، وكان بداية تشكيلها في مصر، حيث نقلوا يومذاك خلال الوحدة، قامت هذه المجموعة بطرد أكرم الحوراني وكبار قادة الحزب المؤسسين، بحجة موافقتهم على الانفصال، وتمكنت من دفع زياد الحريري(حموي لاانتماء له) إلى أن يقوم بانقلاب عسكري صبيحة يوم الثامن من آذار ويستلم الحزب السلطة في سوريا. وبقيت هذه المجموعة في الظل، بينما استدعت ضابطاً كبيراً هو محمد أمين الحافظ، لتجعله رئيساً لمجلس الرئاسة، كما وضعت عدداً من الضباط الكبار ذوي النزعة الوحدوية، دون أن يكون لهم تنظيم سياسيي مثل راشد القطيني ولؤي الأتاسي وغيرهم، وتبين بعد أربعين سنة أن لولب اللجنة العسكرية هو حافظ الأسد، لأنه كان يعمل بصمت من وراء أعضاء هذه اللجنة، ويضرب بعضاً ببعض آخر، حتى تخلص من جميع رفاقه في اللجنة العسكرية، وأخيراً انفرد بتملك سوريا له ولأولاده بعده.
    وكان أول إجراء يقوم به حزب البعث لدى تسلم السلطة هو تسريح الضباط الدمشقيين (قادة الانفصال) وأتباعهم من الضباط الصغار وكلهم تقريباً من المسلمين السنة. واستدعت هذه الخلية السرية الضباط الاحتياطيين من العلويين والدروز والإسماعيليين. ومن العجيب أنهم سرحوا من الجيش معظم طلاب الضباط من الكلية العسكرية، وطلبت دفعة مستعجلة من الكلية العسكرية كان معظم أفرادها من هذه الفئات المذكورة، ومنهم رفعت الأسد وعبد الله طلاس أحد أقارب مصطفى طلاس.
    حركة مروان حديد في حماة
    ثم درس مروان الهندسة الزراعية في جامعة عين شمس بالقاهرة، ثم عاد بعد تخرجه في عام (1961م) إلى حماة، وعرض عليه محافظ حماة بل ألح عليه عام (1964 وهو عبد الحليم خدام) وظيفة مرموقة؛ إلا أنه أصر على أن يفرغ نفسه للدعوة وتربية الجيل المسلم، فأصلح مسجداً صغيراً جوار بيته في أول حي البارودية بالحاضر في مدينة حماة، وجعله مقراً لنشاطه التربوي والدعوي، وصار يعلن أن (أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر). لذلك تم اعتقاله للمرة الأولى (1963م)، بعد أن خطب في المسجد وهاجم الحكومة؛ لأنها تعمل على إظهار الفساد ونشره بين الشعب السوري المسلم، وطالبها بالحكم بما أنزل الله. ولم تدم فترة اعتقاله سوى أيام معدودة.
    وكان مفعماً بالعمل السياسي، لذلك قرر أن يعتصم بمسجد السلطان في حماة، مع مجموعة من الطلاب، ليحث أهالي حماة على الإضراب، ثم ينتشر الإضراب في جميع المحافظات، وتسقط حكومة البعثيين، واعتمد على أن الإضراب الستيني زمن الانتداب الفرنسي أسقط الحكومة يومذاك، كما أنه اعتمد على أن الجيش الفرنسي لم يدخل المساجد أبداً، لذلك ظن مروان يرحمه الله أن المسجد يوفر له ملاذاً آمناً يدعو منه الحمويين إلى الإضراب ، من أجل إسقاط الحكومة، والعودة بالبلاد إلى النظام الديموقراطي، واعتقد مروان أن الإضراب السلبي حيث تتعطل دوائر الحكومة والأسواق والمدارس والجامعات عن العمل؛كفيل بإسقاط الحكومة إذا شاركت فيه معظم محافظات سوريا، كما فعل السوريون خلال الانتداب الفرنسي في إضراب الستين يوماً، وقد غيروا الحكومة المعينة من قبل المستعمر يومذاك بحكومة أخرى شارك الشعب في تكوينها.
    أصر مروان على مخططه، وقرر أن يعتصم مع مجموعة من الطلاب في مسجد السلطان ويدعو الناس من مذياع المسجد إلى الإضراب، ويبين لهم خطر البعثيين. وفي أحد أيام آذار (1964م) انتقل مروان مع مجموعة من طلاب المدارس الإعدادية والثانوية إلى مسجد السلطان واعتصموا به.
    وقد وصلت حماة إلى حالة من التوتر بعد أن حصلت مشادات بين الطلاب في ثانوية الصناعة، انتهت إلى اعتقال أحد الطلاب الإسلاميين؛ لأنه كتب على السبورة قول الله عزوجل (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون)، وذلك استجابة لتحدي الطلاب البعثيين الذين يكتبون كل يوم على السبورة المقولة التي تكررها وسائل الإعلام الأسدية وهي (الرجعية أخطر من إسرائيل) ((يقصدون بالرجعية الدين الاسلامي والاخوان المسلمين ))
    ويجب القضاء على الرجعية أولاً ثم إسرائيل ثانياً، لذلك كتب الطالب الإسلامي تلك الآية كاستجابة لذلك التحدي. وخرجت المدارس الثانوية بإضراب ضد اعتقال ذلك الطالب، وتدخل الجيش ضد هذه المظاهرة التي كانت تهتف هتافات معادية لحزب البعث مثل (لا إله إلا الله، والبعث عدو الله)، فأطلق الجيش النار على أحد الهتافين وقتله فتفرقت المظاهرة، والتهبت المشاعر، وطوق الجيش مدينة حماة، وفي اليوم التالي اعتصم مروان في المسجد.
    الجيش يهدم مسجد السلطان بالدبابات
    عندما وضع مروان خطته ورأى أن يعتصم بالمسجد؛ ظناً منه أن المسجد مكان آمن يحميه، ولأن الشعب السوري فهم من خلال جهاده ضد الفرنسيين، أن الجيش لا يدخل المساجد، ومن البدهيات المنتشرة بين الشعب قبل حكم البعثيين أن الجيش والشرطة لا يدخلون المساجد إلا للصلاة فيها، ولا يدخلون الجامعات أو المدارس، وإذا أرادت الشرطة القبض على مدرس فإنها تبحث عنه خارج المدرسة، ولا يجوز لها أن تقبض عليه في المدرسة للأثر السيئ الذي يتركه ذلك المنظر في نفوس الناشئة من الطلاب، وقد أثبت البعثيون أن هذا كله غير مقبول في منطقهم.
    وكلفت القيادة القطرية اللواء (45) مشاة آلية بقيادة العقيد الدرزي حمد عبيد أن يتحرك إلى مدينة حماة، ليطوقها ثم ينفذ الأوامر التي تعطى له هناك .
    كان الثوار السوريون يضربون الجنود الفرنسيين، ويفرون أمامهم حتى إذا أصر الفرنسي على متابعتهم دخلوا في أول مسجد يقابلهم، فيصل الفرنسي إلى باب المسجد ثم يقف متألماً ليعود من حيث أتى.
    تكلم مروان في إذاعة المسجد، ودعا أهالي حماة إلى الإضراب ومقاطعة هذه الحكومة الكافرة، وأقيمت حواجز في الشوارع.
    وصل اللواء (45) إلى حماة وفور وصوله دمر مدرسة قريبة من مسجد السلطان ليسهل عليه اقتحام المسجد من جهتها، كما حاول اقتحام المسجد من بابه الغربي (عند سوق الحدادين)، ولما تبين له صعوبة ذلك، توجه نحو الباب الشرقي لاقتحام المسجد، ويتضح من هذا الفعل أنه جاء مصراً على دخول المسجد واعتقال المعتصمين فيه.
    أطلقت الدبابات ثلاث قذائف من عيار (100) ملم على المئذنة فهدمتها ، وتأهب الجنود لدخول الباب الشرقي بعد إسقاط المئذنة،
    ولما دخل أحدهم كان الشهيد محمود نعيم يرحمه الله ينتظره بالبلط، وأخذ بندقيته ووجهها نحو الجنود وأفرغ مخزنها فيهم. ثم سقط شهيداً عند باب المسجد الشرقي. ولما رأى قائد السرية التي تحاصر المسجد محمود نعيم يرحمه الله يقتل عدداً من جنوده، وأخبر قائد اللواء حمد عبيد، سمح له بتدمير المسجد كله، وبدأ يقصف قبة المسجد وسائر أركانه حتى صار المسجد خرباً لا يحمي أحداً، لذلك اضطر مروان يرحمه الله إلى التسليم مع عشرات الطلاب الموجودين معه. فأخذهم الجيش وصورهم مع أسلحة وضعها الجيش أمامهم وكتب تحت الصورة في الصحف اليومية (أسلحة إسرائيلية وجدت مع الرجعيين) .
    (( روى هذه الحقيقة أحد الطلاب الذين كانوا مع مروان في المسجد، أطلقوا سراحه في اليوم الأول لصغر سنه مع مجموعة من أمثاله (12 - 13 ) عاماً، وقد التقى به الكاتب بعد عشرين سنة خارج سوريا، وقال أحضروا أسلحة لم نرها بحياتنا وصورونا معها ونشرتها الصحف في اليوم التالي،وكتب تحتها ( الرجعيون استلموا أسلحة من إسرائيل).))
    شكلت محكمة عسكرية برئاسة الرائد مصطفى طلاس قائد اللواء الخامس المدرع، فحكمت على مروان وبعض رفاقه بالإعدام، بعد محاكمات هزلية سخروا فيها من مروان ومن الإسلام، ثم تدخل الشيخ محمد الحامد يرحمه الله لدى الفريق محمد أمين الحافظ رئيس مجلس الرئاسة فأفرج عنهم بعد بضعة شهور من اعتقالهم.
    استمر مروان حديد في عمله السياسي واعتقل مرة ثانية عام 1966 ثم افرج عنه عام 1967
    بقي حراً طليقاً حتى شباط (1973م) حيث توارى عن الأنظار بعد محاولة اغتياله من رجال رفعت الأسد،حيث جاءت مجموعة من سرايا الدفاع لقتل مروان يرحمه الله بعد أن رفض عرض رفعت الأسد باستلام منصب في السلطة والتعاون معهم، ولكنه أحس بذلك قبل وصولهم ففر إلى دمشق، واختبأ فيها ثم تم اعتقاله جريحاً كما قيل بعد معركة جرت بينه وبين الوحدات الخاصة استخدمت فيها طائرة عمودية في صيف (1975م )، وبعد عام كامل، قتلوه في السجن يرحمه الله، ودفنوا جثته في دمشق، دون معرفة أهله بذلك، وصب الإسمنت فوق قبره وتركت عليه حراسة لعدة أيام.
    أحداث الجامع الأموي بدمشق :
    كان الجميع مستائين للتحول الكبير في سورية نحو الشيوعية، والانحلال والإباحية، وتحدي مشاعر الناس واستفزازهم من الحرس القومي المسلح، حيث كانت هناك حوادث فردية في الاعتداء على الشباب، والتحدي لمشاعر الشعب المسلم والاستهتار بعقائد الناس ومشاعرهم.
    وقبيل أحداث حماة كان علماء دمشق ( وعلى رأسهم الشيوخ الأجلاء حسن حنبكة، وعبدالكريم الرفاعي وأحمد الدقر) قد اتخذوا قراراً مفاده أن لا يجري أي حدث في سورية إلا بعد قرار جماعي من علمائها , غير أن العلماء كلهم بما فيهم علماء حماة فوجئوا باشتعال الأحداث في حماة. و أعلن سقوط حماة واستسلام الناس في الليلة نفسها التي تم فيها اتخاذ القرار.
    ووضعت السلطة... خطة لضرب دمشق وإرهاب أهلها بعد أن كسبت معركة حماة. فراحت تعمل بواسطة عملاء لها في صفوف العلماء والسذج من الناس لإثارتهم على السلطة، ومعرفة من يتجاوب مع الحركة الإسلامية.
    (( حاولت السلطة ان تحيك مؤامرة للايقاع بالاسلاميين فقامت بتوزيع منشورات عن محاضرة لاحد العلماء في جميع احياء دمشق وذلك لحشد الناس في المسجد الاموي – وطبعا لم يكن يعلم علماء دمشق بهذا الاجتماع - ذهب هذا الشخص الى الجامع الاموي لتهدئة الناس وبعد ذلك قطعت الكهرباء عن المسجد ثم عن الحي باكمله , وبدأت المؤامرة تتضح عندما صعد احد المشايخ ( أحمد القادري )الى المنبر ودعا الى المواجهة وحمل السلاح ودعى الناس ان يخرجوا في مسيرة الى بيت الشيخ حسن حبنكة الميداني – طبعا لم يكن يعلم بذلك وهو رافض لهذا المبدأ – وزعم ان هذه المسيرة تمت الموافقة عليها من القصر وبدأ فعلا بتجميع الناس وصفهم في ساحة المسجد الاموي ))
    ثم كانت المفاجأة الصاعقة ، الدبابة تدك باب المسجد، ويدخل الرائد سليم حاطوم مع مئتين من أتباعه، ويبدأ إطلاق النار من الرشاشات في المسجد على الناس، ويسقط بعض القتلى. فيتقاطر الناس مذعورين داخل المسجد، حتى يحصروهم في إحدى زواياه، ويطالبوهم بالاستسلام الكامل. ، واقتادوا الناس أذلاء إلى السجون، وقام أحد ضباط الحرس بالمشي فوق الرؤوس بنعاله الغليظة، ورشاشه بيده، يصرخ بالناس كي يهتفوا للبعث. وعندما تلكأ البعض بدأ الضرب على الرؤوس بأكعبة الرشاشات وأخامص البنادق، من عدد من الحرس القومي حتى راح كل من في الشاحنة يهتف: بعثية، بعثية.
    غير أن الفريق امين الحافظ تدخل وأطلق سراح الجميع. بينما رافق هذه المحاكمات عرض قضية كوهين ] جاسوس يهودي [ ، وقصد من ذلك تلويث سمعة الإسلاميين لإيهام الأمة بتعاملهم مع دولة أجنبية، وكان ذلك في أوائل كانون الثاني 1965.
    الحركة التصحيحية الأولى
    في (23 /2/1966م) زحف النقيب سليم حاطوم (قائد كتيبة مغاوير)، يساعده النقيب رفعت الأسد قائد سرايا الدفاع الناشئة يومذاك، على بيت الفريق محمد أمين الحافظ (رئيس مجلس الرئاسة)، ودارت معركة لعدة ساعات، ثم ألقي القبض على الفريق الحافظ رئيس مجلس الرئاسة ووضع في السجن، واعتقل عدد من أنصاره الضباط معه،كما سرح مئات الضباط السنيين البعثيين، ليحل مكانهم ضباط علويون
    سيطرت القيادة القطرية على مقاليد الحكم في سوريا، بعد صراع دام سنتين بين القيادة القومية (غير علوية) والقيادة القطرية (ويسيطر عليها العلويون).
    ((اتضح مخطط اللجنة العسكرية فيما بعد وهو دفع ضباط وحدويين للانقلاب على الانفصاليين، ثم التخلص من الوحدويين وإبدالهم بالبعثيين من شتى الطوائف، واستمر هذا حتى شباط 1966م، حيث بدأت المرحلة الثانية وهي التخلص من البعثيين السنيين المؤثرين وإبدالهم ببعثيين علويين ودروز وإسماعيليين، واستمرت هذه حتى عام 1970م، حيث بدأت المرحلة الثالثة وهي طرد الدروز والإسماعيليين وإبدالهم بالعلويين فقط. ثم دام التآلف بين العلويين طوال الصدام المسلح مع الإخوان المسلمين، وبعد أن تغلب النظام الأسدي على الإخوان، بدأ الصراع بين عشيرة الأسد وغيرهم من العلويين، واستطاع حافظ الأسد أن يفرض عشيرته ثم عائلته على الطائفة ثم على سوريا، وخلال التسعينيات صار الصراع بين العائلة الأسدية نفسها، عندما صار حافظ الأسد يهيأ ابنه باسلاً لخلافته، ويبدو أن العائلة الأسدية هي التي اغتالت باسلاً، فتوجه حافظ ليهيأ ولده بشار للخلافة. وصدق المثل العربي القائل (والنار تأكل نفسها عندما لا تجد ما تأكله).))
    واتضح فيما بعد أن الخلاف الذي نشأ بين القيادة القطرية والقيادة القومية، سببه أن القطرية يسيطر عليها مجموعة من العلويين وتستغل الحزب من أجل فرض مصلحة الطائفة على سوريا، واستخدام الحزب كأداة ووسيلة لتحقيق سيطرة الطائفة العلوية، وقد اتضح ذلك خلال عقد السبعينيات، وقد دمرت هذه المجموعة حزب البعث وصارت هذه الطائفة تعمل من أجل التفرقة وليس الوحدة، والقهر والاستبداد وليس الحرية كما صار أبناء هذه الطائفة من كبار أغنياء العالم فأين (الوحدة والحرية والاشتراكية)؟
    ووضع الدكتور نورالدين الأتاسي رئيساً للدولة، وشكلت حكومة مدنية يرأسها الدكتور يوسف زعين، وصارت السياسة السورية أكثر ميلاً نحو الماركسية.
    الخدمة العسكرية في سوريا
    من الإيجابيات نظرياً الخدمة العسكرية في سوريا، وقد نص الدستور السوري على أن الخدمة العسكرية إلزامية على كل مواطن (ذكر) سوري، مدتها سنتان ونصف، ويمضي الجامعيون في زماننا سنة منها في كلية الاحتياط ، ويتدرب الجامعي على دور قائد الفصيلة وبعض دور قائد السرية، وتعطى له رتبة ملازم في الجيش العربي السوري، وكل ذلك ممتاز،
    أما السلبيات فهي:
    أ أسلوب التعامل مع المواطن خلال الأشهر الأولى من الدورة والتي تسمى أحياناً دورة (الأغرار)، حيث تحطم كرامة الشاب ليكون أداة طيعة لتنفيذ الأوامر، وقد أدى هذا التعامل إلى عقد نفسية، وتغير في اتجاه بعض المواطنين نحو الجيش والخدمة الإلزامية؛ حيث يكره الجيش والقوات المسلحة، والدفاع عن الأرض وتحرير الأرض المغتصبة. وأدت أحياناً قليلة إلى الانتحار عند المجندين (بدون رتبة)، حيث تتحكم فيهم شخصيات سادية أحياناً؛ يتلذذون بتعذيبهم باسم التدريب.
    ب الخدمة الاحتياطية
    ففي آخر الستينيات (بعد حرب 67)، بقي كثير من المواطنين (5 -7) سنوات في الخدمة العسكرية والاحتياطية دون أن يعرف متى يسرح من الخدمة.
    كما لا يعرف المواطن متى يستدعى للخدمة الاحتياطية، لذلك قد تتخرب مصالح كثيرة للمواطنين. كما أن المواطن يبقى مرتبطاً بالجيش حتى الخمسين من عمره، فلا يتمكن من السفر إلا بعد موافقة شعبة التجنيد، ولا يعطى جواز سفر، أو تأشيرة خروج إلا بعد شهر أو أكثر من البحث لمعرفة وضعه وحاله، ثم يمنح موافقة السفر أو يرفض سفره، وقد مزجت هذه الموافقة بحالة المواطن السياسية، فلا يسمح له بالسفر إلا بعد الموافقة الأمنية.
    وكانت كل تلك الهموم؛ تفسر من أجل تحرير الأراضي العربية المغتصبة مثل فلسطين ولواء اسكندرون، وعربستان وإريتريا وساقية الذهب وزنجبار... إلخ، أما وقد تأكد المواطن السوري بعد الثمانينيات: أن الجيش العقائدي أسس لقتل الشعب، والمحافظة على كرسي الحكم، ولا يهمه تحرير الأرض العربية المغتصبة، لذلك صارت الخدمة العسكرية سجناً لا يطاق، وأتاوة يدفعها المواطن دون مقابل.
    الخدمة العسكرية في عهد النظام الأسدي
    كان السوريون يضربون المثل بطعام الجيش، لكثرته ونوعيته الراقية ( لحوم وفواكه وحلويات ايضا )، ولا تجد جائعاً في القوات المسلحة السورية... بل كان كثير من طبقة (ضباط الصف)، يطعمون أسرهم من طعام الجيش الفائض والكثير...
    و قد رأيت خلال خدمتي الكميات الهائلة، والنوعيات الراقية، التي يسلمها المقاول لمطبخ اللواء، كما شاهدت في مستودع المواد الغذائية، الكميات الهائلة من الأرزاق، ومنها (الصنوبر) و(اللوز) و(الحلويات) و(السمن العربي) وغيرها...
    وكان العسكري المجند يتقاضى راتباً في حدود (20 – 25) ليرة سورية شهرياً، تكفيه لمصاريف الجيب (النثريات)، ولم تكن العادة أن تدفع الأسر لأولادها مصروفاً خلال الخدمة العسكرية... بل كان ضباط الصف، والضباط المجندون يصرفون على أسرهم من رواتبهم التي يتقاضونها خلال الخدمة الإلزامية... وكان الضابط المجند يتسلم راتباً حوالي (300) ليرة سورية، في أوائل السبعينيات، كانت تكفي أسرة صغيرة
    أما اليوم خلال النظام الأسدي فقد سمعت هذه الأسطوانة من كثير من المواطنين السوريين تقول: التحق ولدي بالخدمة العسكرية، ويتطلب مني مائة ألف ليرة سورية على الأقل مصاريف له، فقلت عجباً لهذه المصاريف!! قال: طعام وشراب، يقتله الجوع إن لم أدفع له، قلت: وأين طعام الجيش!!؟ قال: يبيعه قائد الوحدة، قبل أن يطبخ، ثم يفتتح بقالات، واستراحات تبيع (الساندوتش) يعمل فيها (مجندون)، ويمولها قائد الوحدة نفسه، ويستلم أرباحها، وهكذا صار الضابط قائد الوحدة (كالمنشار) يأكل ذهاباً وإياباً، يبيع أرزاق الوحدة، ويضع ثمنها في جيبه، ثم يبيع الطعام للمجندين ويكسب المال لصالح جيبه الخاص...
    الصيدلي أو الطبيب أو المهندس وأمثالهم:
    هذه الفئة كانت تسمى (النظام الحديث)، وكانت تقضي فترة دورة الأغرار (أربعة شهور) تتدرب على النظام المنضم والأسلحة الفردية، ثم يفرز كل منهم إلى الإدارة المناسبة له، فالطبيب إلى الوحدات الطبية، والمهندس إلى وحدات الهندسة للاستفادة منهم في الجيش والقوات المسلحة...
    أما اليوم فالطبيب والمهندس والصيدلي وأمثالهم، من أصحاب الأعمال بعد دورة الأغرار، وربما قبل أن تنتهي، يتفاهم مع قائد وحدته، على أن يعود إلى عيادته أو صيدليته، أو مكتبه الهندسي، وآخر الشهر يذهب يوماً واحداً إلى الوحدة العسكرية التي قيد اسمه فيها، فيستلم راتبه العسكري ليؤكد حضوره ومواظبته على الوحدة، كما يسلم قائد الوحدة نصف دخله من عيادته على الأقل، أو ثلاثة أرباعه، - حسب الاتفاق -، ثم يعود إلى العمل في مهنته في الحياة المدنية، وشاع هذا الأسلوب، وانتشر بين الضباط، وصار من البدهي أن قائد السرية عنده (5 - 10) عساكر مجندين يعملون لحسابه ويدفعون رواتبهم له، أما قائد الكتيبة فيصل عددهم إلى (20 30-) عسكرياً يدفعون له، وقائد اللواء له (100) مجند عسكري يعملون لحسابه في الحياة المدنية.
    وهكذا في العقد الأخير من القرن العشرين صارت الخدمة العسكرية عبارة عن سخرة، لدى كبار الضباط، ألوف المواطنين يعملون في مزارع كبار الضباط، وعماراتهم، ومشاريعهم، خلال مدة خدمتهم العسكرية....
    كثير من الضباط الكبار في الجيش (العقائدي) الأسدي، لهم مشاريع ضخمة يقام فيها مباني حديدها وإسمنتها من مستودعات الجيش السوري، وعمالها (النجار والحداد والباطنجي والبلاط والسباك والكهربائي...) من مجندي الخدمة الإلزامية في الجيش العقائدي الأسدي...
    وكثير من الضباط الكبار استصلحوا أراضي وعرة مليئة بالحجارة البازلتية السوداء في أماكن انتشار وحداتهم، والأراضي فيها أملاك للدولة، والضباط الكبار هم أرباب الدولة، والدولة لهم، والمجندون عمال يخدمونهم (سخرة )، وأقاموا في هذه المناطق الوعرة مزارع لأشجار الفاكهة، في أرض بكر بازلتية خصبة...
    إجازات وهدايا:
    أما الضباط الصغار، فيرسلون أفراداً من وحداتهم في إجازات يقضونها بين أسرهم وذويهم، ويعود المجند محملاً بالهدايا مثل [تنكة سمن عربي او جبن عربي او حتى خروف ]، وفي النهاية يعيش هذا الضابط الصغير حياة مرفهة على خيرات سوريا الطبيعية مجاناً على حساب المجندين الفقراء، الذين يستدينون في بعض الحالات لشراء (الهدية) للضابط الصغير...
    ولما صارت (الهدايا) أو (الأتاوات) ملازمة للإجازات، نقصت رغبة المجندين في طلب الإجازات، ليخففوا عن أسرهم مشقة وعبء توفير المال لشراء هذه الهدايا الأتاوات... حتى صار الضباط الصغار يدفعون المجندين ويحثونهم على هذه الإجازات...
    وحدثني أكثر من شخص أن الضابط فلان أرسل وراء العسكري فلان وقال: لِمَ لا تطلب إجازة؟ ما عندك أم وأب؟ فيرتبك العسكري الفقير ويحار في الجواب حتى يسبقه الضابط ويقول: لاتبخل علينا يكفي خروف واحد فقط هاته معك مذبوح ومنظف
    مصيبة السائق:
    أما السائق في الخدمة العسكرية الأسدية، فصار مكلفاً بإصلاح سيارته العسكرية التي يعمل عليها في الوحدة، يصلحها في ورشة مدنية ويدفع أجرة الإصلاح، وثمن قطع الغيار من جيب والده المسكين، حيث صار الضابط الكبير يبيع قطع الغيار المخصصة لورشات الإصلاح العسكرية، وتبقى هذه الورشات بدون عمل حقيقي...
    وصار من الشائع في الخدمة العسكرية في النظام الأسدي؛ فهي محاربة التدين ومحاربة الالتزام بأداء العبادات في الجيش كالصلاة والصوم وإعفاء اللحية... وقد يستغرب القارئ، ولكنها الحقيقة المرة:
    تمنع صلاة الجماعة علناً، وقد يحال من يتلبس بها إلى المحكمة العسكرية...
    - يضطهد المصلون، ويهزأ منهم، ويضحك على صلاتهم، وقد يؤذون خلال الصلاة...
    - بل حدث في معسكرات التدريب الجامعي، أن بعض أولاد المهجرين المنتسبين إلى الجامعات السورية، وكان عليهم أداء المعسكر الجامعي في الصيف، وهذا المعسكر تحسب مدته من الخدمة الإلزامية... هؤلاء تعودوا على صلاة الجماعة في السعودية، وهناك أذنوا لصلاة المغرب، وأقيمت الصلاة فالتحق بهم عدد كبير من الطلاب، وما هي إلا لحظات حتى طوقتهم الوحدات الخاصة مدججة بالسلاح، والحمد لله أنهم انتظروهم حتى أكملوا الصلاة، ثم اعتقلوهم وحققوا معهم عدة أيام يبحثون عمن دعا إلى صلاة الجماعة، وهي ممنوعة في الجيش العربي السوري، ولما تأكدوا أنها عفوية، وقعوهم على تعهدات أن لا يكرروا ذلك في المستقبل وأطلقوا سراحهم، وحصلت هذه في بداية عهد بشار...
    هذه بعض السلبيات للخدمة العسكرية المعاصرة، في عهد النظام الأسدي
    الجيش العقائدي
    تقصد المجموعة العسكرية البعثية السرية (اللجنة العسكرية)؛ التي فصلت حزب البعث ثم قامت بالحركة التصحيحية الأولى ثم الثانية؛ تقصد بالجيش العقائدي ما يلي:
    1 - أن يخلو من الرجعية، والرجعية في نظرهم كل متمسك بدينه سواء كان من الإخوان المسلمين أو الصوفيين أو السلفيين، فكل من يصلي رجعي، وكل من لا يشرب الخمر رجعي.
    2- أن لا يكون من التنظيمات السياسية الأخرى، حتى البعث القومي الذي صار معادياً لهم. وصار مفهوم الجيش العقائدي واضحاً لدى الشعب السوري، وهو الجيش الذي يحمي النظام الحاكم، لذلك أحيطت دمشق بأفضل القوات وهي الفرقة الأولى والثالثة، ثم شكلت بعد ذلك سرايا الدفاع والوحدات الخاصة؛ لتتدرب على قتال المدن والشوارع كما سنرى.
    وهكذا كان الجيش العقائدي قبل يوم الخامس من حزيران، بعد أن طرد منه معظم الضباط الماهرين لأنهم ليسوا بعثيين، أو لأنهم بعثيون غير موالين للنظام، كما طرد منه كل ضابط أو ضابط صف له ميول دينية.
    والتحق بالجيش ضباط احتياط كانوا في التعليم أو في وظائف مدنية، من الأقليات، لا يتقنون فنون الحرب ولا يريدونها، ولكنهم مخلصين في المحافظة على ثورة الثامن من آذار البعثية الأسدية
    هذا هو الجيش العقائدي الذي سيدخل حرب الـ 1967 التي سنرى تفاصيلها في الحلقة القادمة

      الوقت/التاريخ الآن هو السبت أبريل 27, 2024 7:33 am