بسم الله الرحمن الرحيم
{وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}سورة البقرة 282.
الحكومة الخفية للعالم
دولة إبليس والشياطين والسحرة والجن -
لعنهم الله تعالى ونصرنا عليهم
أولا: نُريد أن نؤكد أن الإيمان بوجود الشياطين هو من صُلب عقيدتنا الإسلامية، وأن الله -عز وجل- حرص على أن ُيفهمنا من أول القرآن الكريم في سورة البقرة وحتى أخر سورة في القرآن الكريم، وهي سورة الناس بأن إبليس وجنوده - لعنهم الله - هم عدونا الأول والأكثر لدادةً وكيدًا ومكرًا، وأن الحياة في الأرض تدور حول إذن من جلال الله -عز وجل- إلى اللعين إبليس لعنه الله، بالتسلط على الناس لإضلالهم.
إن تكرار الله -عز وجل- لتحذيراته من أوائل آيات القرآن وحتى آخره، وتكرار سرد القصة من أوجه عديدة وتكرار التحذير من الشياطين والحرص على إفهامنا أبعاد المعركة وخطورة العدو وأساليبه وأهدافه، هذا الحرص من الله -عز وجل- لم يكن عبثاً ولا لهواً،.... بل لأنه الأمر الأخطر في الحياة، وأساس كل الحروب التي خاضتها وتخوضها الأمة الإسلامية وأساس كل حروب العالم، وإن هذا الموضوع هو ألف باء الحياة التي يجب فهمها حتى نُسيّر شؤون حياتنا من أبسطها في بيوتنا مع أطفالنا وأزواجنا إلى أعظمها، ولذلك حرص الرسول صلى الله عليه وسلم على تعليمنا الاستعاذة والتحرز من الشيطان بكل عمل نقوم به في حياتنا، قال تعالى:( أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يبَنِي آدَمَ أَن لاَّ تَعْبُدُواْ الشَّيطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ * وَأَنِ اعْبُدُونِي هَـذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ * وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُواْ تَعْقِلُونَ ) 60-62 يس.
وجميع جنود إبليس - لعنه الله - هم في الغالب أبناؤه وأحفاده، ويُعتبر القرآن من أهم وسائل قتلهم كما سنشرح لاحقا، فهم لا يمرضون ولا يصابون بحوادث إلا ما ندر، ويُعالجون أجسامهم التي تحترق بالقرآن أو من الحوادث خلال ثلاث أيام والله اعلم، فبعد اليوم الأول يُكملوا علاج نصف حروقهم وفي اليوم الثاني ثلاث أرباع حروقهم وفي الثالث يُشفون تماما، وأعداد الشياطين كثيرةً جدا وتفوق البشر بكثير، لذلك عادةً ما نُصادف من يتلبسه عدة شياطين وأحيانا ملايين الشياطين.
وإبليس - لعنه الله - كان من الجن فسخطه الله تعالى عندما رفض السجود لسيدنا آدم عليه السلام، كما سخطه الله -عز وجل- مرةً ثانية عندما بُعث نور البشر سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم- ومرةً ثالثة عندما نزلت سورة الفاتحة، والسخط كان لإبليس - لعنه الله - ولمن تبعه من قومه، وعليه فإن الشياطين قوم مسخوطون عن الجن.
وقيل أن الجن هم قوم من الملائكة، وقيل أن إبليس – لعنه الله - كان قد رُفع إلى قدر الملائكة بما كان قد توسم بأفعال الملائكة وتشبه بهم من تعبد وتنسك، والدليل على ذلك قوله تعالى: ( وَإِذَا قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ ) 50 الكهف، فلقد شمله الله تعالى مع الملائكة بأمر السجود التشريفي لسيدنا ادم عليه السلام، وجاء في تفسير ابن كثير: ( قال الحسن البصري: ما كان إبليس من الملائكة طرفة عين قط، وإنه لأصل الجن، كما أن آدم عليه السلام أصل البشر، رواه ابن جرير بإسناد صحيح عنه) والله أعلم.
وإبليس وجنوده - لعنهم الله - لا يزرعون ولا يحصدون ولا يبنون بيوتاُ ولا يشترون طعاماُ ولا يطبخون ولا يحيكون ملابساُ ولا يحتاجون إلى المال، هم يعيشون شبه عالة على بني البشر ومتفرغون لتضليلهم وهدم حياتهم وذلك بنشر الفاحشة والصد عن سبيل الله تعالى، وإفقار البشر والتسبب في الأمراض، حيث الفقر والمرض هو سبيلهم لبيع الأعراض وارتكاب الجرائم ونشر الفاحشة، وأكثر أعداء إبليس وجنوده هم المجاهدون في سبيل الله -عز وجل- ثم الدعاة إلى الله تعالى ثم الأقل فالأقل تقوى من المسلمين.
وتأكل الشياطين العظم وروث الحيوان ويشموا الروائح التي نشمّها ويتمتعوا جداً بالبخور، ويعيشون بالصحاري والجبال والخرب، كما تشارك الشياطين الناس في كل ما لم يذكروا اسم الله عليه من أكل أو لبس أو غيره، ويستمتعوا جدا بالمخدرات والمُسكِرات والدّخان بأنواعه (السجائر والشيشة)، كما ويحب الشياطين الموسيقى والرقص جدا، ويعيش الشياطين في المزابل وبين الناس وفي بيوتهم وخاصة الأماكن النجسة من الحمامات (داخل المراحيض والبلاليع)، وهم قبائل ولهم ملوك، ويتزعم الشياطين إبليس - لعنه الله- ولهم دولة لها تنظيمها المُعقد في التسلسل القيادي، ومن الشياطين من هو طائر، ومنهم الزواحف، والغواص وكلهم يتحرك بسرعة الموجات الكهرومغناطيسية ( الضوء) والله أعلم.
ولقد شرح كتاب ( تلبيس إبليس- لابن الجوزي البغدادي) الكثير عن المهارات الفردية للشياطين في تلبيس الحق بالباطل وجر الناس بخطوات الضلال، ومن أفضل الكتب في شرح الغامض من حياة الجن معتمدا القرآن والسنة كتاب ( أحكام المُرجان في إحكام الجان للشيخ بدر الدين الشبلي )، كما أن كتاب (أحجار على رقعة الشطرنج) لكاتبه الضابط النصراني في البحرية الأمريكية قدم معلومات قيمة عن كيفية تخطيط إبليس والشياطين - لعنهم الله- بالتعاون مع قادة البشر لتحريض الحروب بين الدول وهدم قيم البشرية وأخلاقها وصرفهم عن توحيد الله -عز وجل- ( في الطبعات الأخيرة حُذِف الكثير من أسرار هذا الكتاب).
ومن المعلومات الخاطئة عند كثير من البشر أن الاستعاذة بالله تعالى وذكر اسم الله -عز وجل- والبسملة تصرف الشياطين، بل وأكثر من ذلك فإن الناس تعتقد خطأً أن الذين يُصلون ويقرؤون القرآن، لا تقترب منهم الشياطين ولا يُصيبهم سحر، ويظنون أن الشياطين لا تدخل المساجد وخاصة الحرم المكي، والحقيقة إن الاستعاذة أو البسملة هي فقط تُبعد القرين والشياطين عن العمل الذي نحن بصدده، ولكنهم يبقون على مسافة قريبة منا وقد تكون خارج البيت أو أبعد قليلاً، إلا الذين عليهم حفظة من الله تعالى، أما من يتلبسه الشيطان فان الشيطان يبقى داخل جسده يأكل معه ويلازمه وينكح معه والعياذ بالله من هذا البلاء، قال تعالى (وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ) 64- الإسراء، ويخنُس الشيطان إذا ذُكر الله ً داخل جسد المتلبس به، ويدخل معه المسجد ويبقى معه في صلاته وحتى وهو يقرأ القرآن يسمع ويرى مستخدما الجسد البشري ويحضر الاجتماعات التي يُذكر فيها اسم الله تعالى، فإذا ذُكر الله تعالى قبل الأكل فإن الشيطان يتأذى من الأكل المسمى عليه كما نتأذى من شرب الماء المالح مثلاً، ويبقى داخل الجسد خانساُ، وهنا مكمن الخطر فذكر الله -عز وجل- لا يحمينا إلا من الشياطين المتجولة، وليس كل المتجولة بل فقط الضعيف منها الذي لا يحتمل ذكر الله عز وجل، وإننا نحتاج الكثير لنحمي أنفسنا من الشياطين المردة أو من الشياطين المتلبسة داخل أجسام البشر، وهذا هو جوهر هذا الكتيب وسببه، إن قول الدعاء الوارد بالحديث عن رسولنا الحبيب - صلوات الله وسلامه عليه- عند الخروج من البيت ( بسم الله توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله ) يُبعد الشيطان عنا مسافة تكفي لأمننا، وكذلك دعاء دخول البيت ودعاء الخروج من المسجد، ومع ذلك تبقى الشياطين تسرح في المسجد بين المصلين وأثناء الصلاة وأثناء قراءة القرآن، ويتحملون الحروق التي تصيبهم من نور القرآن، والدليل على ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يأمر بسد الفراغات بين المصلين لكي لا يتخللهم الشياطين، كما ورد في الحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم صد إبليس الذي هاجمه بالنار وهو في المسجد يصلي.
أما الشياطين التي تلبست جسد الإنسان فإنها تخنس داخل الجسد عند ذكر الله -عز وجل- ولا تهرب، وتبقى تسمع وترى مسيطرةً على الحواس الخمس لجسد المتلبس به، وذكر الله -عز وجل- يحرقها، ولكنها تتحمل الكثير من الحرق قبل أن تستسلم، كما أن الشياطين الراصدة لشخص ما بعينه تبقى تلاحق الشخص المرصود، والرصد لا يكون إلا بعمل سحر، ويبقى الشيطان ملاحقاُ للمسحور ولو عن بعد حتى تحين له الفرصة فيتلبس المرصود، فعلى سبيل المثال إن تمّ عمل سحر لشخص ما، فإن الشيطان الموكّل بالسحر يبقى يُلاحق الإنسان المراد عن بعد ما دام ذاكراً لله -عز وجل- متحصناً به، ويبقى الشيطان ينتظر الفرصة التي يرتكب بها هذا الشخص أحد الأخطاء التي تسبب كسر الحصن الطبيعي للمرصود ومن ثمّ يدخل الشيطان إلى جسمه ويتلبسه.
مسببات كسر حصن الإنسان الطبيعي الذي خلقه الله -عز وجل- والحافظ من الشياطين:
1- نواقض الإسلام وهي باختصار ( التعرض بأذى لذات الله أو صفاته أو أسمائه، الشرك الأكبر بالله، التعرض بأذى للقرآن، التعرض بأذى للرسول - صلى الله عليه وسلم- أو لأحد من المُرسلين، نقض معلوم من الدين بالضرورة، تحليل الحرام أو تحريم الحلال، موالاة الذين كفروا، الحكم بغير ما أنزل الله، السحر)، ومن التعرض بأذى لذات الله هو سب الله أو الدين، ومن الشرك بالله الحلف بغير الله أو الذبح لغيره، ومن تحليل الحرام هو اعتبار التعري سلوكاً شخصياً لا علاقة للإسلام به أو اعتبار الربا تجارة وغيره .
2- ارتكاب أي من الكبائر ولو مرة واحدة وهي ( الشرك بالله، إتيان السحرة، قتل النفس التي حرم الله، قذف المؤمنات المحصنات، أكل مال اليتيم، أكل الربا، التولي يوم الزحف، الزنا، اللواط، أكل أموال الناس بالباطل، شهادة الزور، شرب الخمر، لعب الميسر، عقوق الوالدين، الخيانة، الكذب، نقض العهد ..الخ )، ومن التعامل والتعاطي مع السحر هو إتيان السحرة أو العرافين أو المنجمين أو قارئي الحظ أو الكف أو ما شابه ذلك، ومن الزنا حضور المراقص أو الأفلام الخلاعية أو المسلسلات والبرامج التلفزيونية التي تبدو بها عورات النساء أو الرجال أو إسقاط المرأة لحجابها خاصة إذا زادت من كشف جسدها، وشر من الزنا هو الترويج للزنا مثل بيع الصحف والمجلات الداعية للفجور والزنا، وشر من الربا الترويج للربا وذلك بالعمل في البنوك الربوية، ومن القتل إمداد جنود الكفر ولو بقطرة ماء، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من شارك بقتل مسلم ولو بشق كلمة كتب على جبينه آيس من رحمة الله) ولا يخفى على عاقل بأن إمداد جنود الكفر بقطرة ماء هو أمر أكثر من المشاركة بشق كلمة لقتل أكثر من مسلم، وللمزيد نرجو مراجعة كتاب الكبائر.
3- الغفلة الشديدة عن ذكر الله -عز وجل- وأكثر الغفلة كسرًا لحصن المسلم ترك الصلاة وما فرض الله -عز وجل- من صيام وزكاة، ويبقى الحصن مكسوراً حتى يعود المُسلم إلى الله -عز وجل- ويستغفره بشدة عن غفلته وذنوبه.
4- الغضب الشديد أو الفزع الشديد أو (النقزة) أو الرعب الشديد أو القنوط أو اليأس من رحمة الله -عز وجل- ويحدث كسر الحصن إذا لم يُذكر اسم الله -عز وجل- فور وقوع هذه الحالات، ويبقى الحصن مكسوراً حتى يعود الإنسان إلى طبيعته، وبالنقزة يدخل الشيطان أجسام معظم الأطفال، ومعظم الأطفال المشاغبين والفاشلين بالدراسة ملبوسون شياطين والله أعلم.
5- الوقوع تحت تأثير السحر من أسباب كسر الحصن الطبيعي للمسحور، والسحر كالضربة فإذا كان الحصن قوياً بشكل كافٍ، ردّ الضربة، أما إذا كان الحصن ضعيفاً فيتم خرقه، والسحر درجات وأنواع، وليس بالضرورة أن سحر الإنسان يسبب دخول شيطان إلى جسده، ولكن السحر قد يكسر الحصن فإذا كُسر دخله شيطان، والسحر يُسبب توهم الإنسان بغير الحقيقة كما تمّ إيهام سيدنا موسى عليه السلام وخُيل له من السحر بأن الحبال والعصي تسعى قال تعالى: (قَالَ بَلْ أَلْقُواْ فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى) 66 طه، والمسحور قد يسمع أو يرى غير الحقيقة، ومن ثم تختلط عليه الأمور ويسيء التصرف، وقد تزداد الحالة سوءً حتى يصل إلى الجنون، فإذا تسبب السحر بدخول الشياطين إلى الجسد، فإن الشياطين تتسبب بالأمراض على اختلاف أنواعها كما سنشرح لاحقاً.
ما سبق شرحه يوضح سبب كسر الحصن الطبيعي للمسلم والذي يسمح بدخول شيطان إلى الجسد، وتدخل الشياطين إلى جسد الإنسان لسببين:
السبب الأول: ما يُسمى بالمس العارض، حيث يكون شيطان قريب من الإنسان فيرى هذا الشيطان أن الحصن وقد كُسر لإنسان ما فيستغل الأمر ويلبسه.
السبب الثاني: المس بالسحر ويكون نتيجة وجود شيطان يُلاحق إنسان بعينه مرصود بسبب عمل سحر، وفي كل الأحوال لا يدخل الشيطان إلى المُسلم المُحصّن كما أرشدنا الحبيب رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ولا يعني دخول الشياطين إلى الجسم أنها بدأت فورا بالتحكم في حواسه، ولكن مع توالي الكبائر يستحوذ الشياطين على الجسد والتفكير، وسنشرح لاحقا كيف يُحصن المسلم نفسه فلا يدخل جسده شيطان ولا يتأثر بسحر بعون الله تعالى.
إذن لكل إنسان حصن طبيعي خلقه له الله -عز وجل- يحفظه من الشياطين، إلا أن الإنسان يكسر حصنه بيده وذلك بارتكاب أحد الآثام السابق شرحها ولا يُعاد الحصن إلا بعد التوبة النصوحة وإعادة الحق إلى أهله والاستغفار الشديد.
إن معظم الكفار وظلمة المسلمين وفساقهم وأصحاب الكبائر تسكن أجسامهم شياطين، وكذلك الكثير ممن يدّعون التعبد، وأنهم من أهل الذكر، وأهل الذكر منهم بريئون، والمشكلة أنه وبعد توبة المسلم وتمسكه بالعبادة لا يخرج الشيطان من جسده بل يخنُس ويختبئ في أماكن في جسده تحميه من الحرق بنور القرآن وعبادة الله -عز وجل-، ويعود الشيطان للتجول في الجسد مع أول غفلة عن ذكر اسم الله -جل جلاله- أي خلال دقائق وأحيانا ثوانٍ، ولكي يتم إخراج الشياطين من جسد الإنسان فأنه يحتاج إلى علاج بتكرار الرقية مئات المرات، وبعض الناس يسكنهم الشياطين منذ طفولتهم وحتى موتهم !!
ثانياً: إن الإيمان بوجود السحر هو من عقيدتنا بنص الآية الكريمة: (وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَـكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَآ أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ) البقرة 102.
إذن السحر موجود وهو علم خلقه الله تعالى فتنة، وهو يُفرق بين المرء وزوجه، ويَضرُّ ولا ينفع أبدًا فلا يوجد سحر نافع أبداً بل فقط للأذى، وهذا بنص القرآن المُحكم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه بدليل قوله تعالى: ( وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ).
ولقد سحر يهودي سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم- بعد الهجرة أي بعد نبوته بأكثر من ثلاث عشر عاماً، وبقي الرسول - صلى الله عليه وسلم- يعاني من السحر أشهر، كما ورد عند ابن كثير، على الرغم من كونه رسول نزل عليه القرآن وهو حبيب الله تعالى، وكان ذلك لأنه قدوتنا، ومن ثم علّمنا الله تعالى كيف نُبطل السحر بحول الله وقدرته وذلك بقراءة آيات من كتاب الله تعالى ( مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ) 81- يونس، وسنبين لاحقا بعون الله جل جلاله كيفية عمل ذلك، أَخرج البيهقي في دلائل النبوّة من: طريق الكلبي، عن أَبي صالح، عن ابن عباس قال: مرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم- مرضاً شديداً فأتاه ملكان، فقعد أَحدهما عند رأَسه والآخر عند رجليه، فقال الذي عند رجليه للذي عند رأْسه: ما ترى؟ قال: طُبَّ، قال: وما طُبَّ؟ قال: سحر، قال: ومن سحره؟ قال: لبيد بن الأَعصم اليهودي، قال: أَين هو؟ قال: في بئر آل فلان تحت صخرة في كرية، فأَتوا الركية فانزحوا ماءها وارفعوا الصخرة ثمَّ خذوا الكرية واحرقوها. فلمَّا أَصبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بعث عمار بن ياسر في نفر، فأَتوا الركية فإذا ماؤها مثل ماء الحناء، فنزحوا الماء ثمَّ رفعوا الصخرة، وأخرجوا الكرية وأَحرقوها فإذا فيها وتر فيه إحدى عشرة عقدة، وأُنزلت عليه هاتان السورتان فجعل كلمَّا قرأ آية انحلت عقدة: {قُلْ أَعُوُذُ بِرَبِّ الفَلَقِ}، {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاس}..(انتهى)
ولكي نفهم فيزيائية عمل السحر والشياطين فعلينا أن نفهم أن مشاعر الإنسان وأفكاره وطريقة تحكمه بأعضاء جسده والأسلوب الذي يسمع أو يرى به ما هو إلا طاقة تنتج وتنتقل على شكل موجات ومجالات كهرومغناطيسية، وبالتالي فإن التلاعب بهذه الموجات والمجالات الكهرومغناطيسية يُسبب تعطيل بعض أعضاء الجسم، وقد يُسبب هذا العطل قتل جنين أو توقف عضو أو سوء أدائه، وقد يُسبب سوء التقدير أو اختلاط الأفكار أو تداخلها، والأمر يزداد وضوحاً إذا علمنا أن الوظائف اللاإرادية التي يقوم بها جسم الإنسان ليست إلا برامج مخزنة بخلايا ومراكز تحكُّم في العقل، وأن هذه البرامج يستطيع السحر أو الشياطين النيل منها إلا المحصن منها بأمر الله الذي لا يؤودُهُ حفظ السموات والأرض وما بينهما، فالسحر هو مجال طاقة يشابه المجالات الكهرومغناطيسية ويؤثر على مجالات الطاقة للإنسان، وعلى سبيل المثال فإن الحيوانات المنوية للرجل والتي تُفرز من الخصيتين، يمكن التلاعب بإنتاجها أو توقفها نهائياً لو توقفت الأوامر من الدماغ الآمرة بالإنتاج، أو لو تمّ تشويش الأمر، وما قد يحدث مع الخصيتين قد يحدث مع أي غدة أخرى للإنسان سواءً كان على صعيد توقف إنتاج البويضات للمرأة أو خلخلة نظام المناعة للجسم، فيصبح سهل المنال من الميكروبات والفيروسات أو غيره من الأمور التي تسبب السرطان ومعظم أمراض الإنسان، والحقيقة المذهلة هي مدى دقة المعلومات الطبية للشياطين عن جسم الإنسان.
وأعوان الشياطين من البشر هم السحرة والعرافون والمُبصِّرون وقارئو الكف والفنجان لعنهم الله جميعاً، وهؤلاء يتقنون فنون التخفي بأثواب المشايخ وأصحاب الكرامات والّزهاد والذاكرين – والذاكرون منهم بريئون، وما هم إلا كفار أولياء الشياطين وجنودهم، هدفهم تنكيس كلمة الله -عز وجل- وتحقير شعائره، وهم أبعد ما يكون عن أصحاب الكرامات أو عن الذاكرين والذاكرات.
ويقصد الناس السحرة طالبين الخير والشفاء تاركين ما علّمنا الله من الذِكر الذي يجلب الخير والرزق، فمنه للرزق قراءة سورة الواقعة، ولمن فقد شيئاُ تكرار سورة الضُحى ولمن خاف قوماُ تكرار أية (فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ) 137 البقرة، و للمظلوم تكرار آية (حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) 173 أل عمران، وتكرار أية ( وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ) 44 غافر، وللمجاهدين تكرار أية ( رَبَّنَآ أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) 250 البقرة، وللتخفي من الكفار تكرار آية (وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً ومِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً فَأغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ ) 9 يس، ولمن أُصيب ببلاء تكرار أية ( لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ) 87 الأنبياء، ولمن لا يُنجب تكرار آية ( رَبِّ لاَ تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ) 89 الأنبياء، وغير ذلك من الآيات التي فيها ذِكر ودُعاء، بل لم يترك القرآن دعاء نحن بحاجة له إلا علمنا إياه، فالحمد لله القائل ( مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ) 38 الأنعام، وهذا هو سبيل المؤمنين في قضاء حاجاتهم وليس اللجوء إلى السحرة بل اللجوء إلى الله الذي قال: ( وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَداً ) 27 الكهف، أي أنه لن تجد سوى الله تعالى يحفظك كما يحفظ اللحد جسد الميت.
وقبل مواصلة هذا البحث في صفات السحرة والسحر يجب أن نتوقف هنا لسرد الحديث التالي من صحيح البخاري: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن رَهْطاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، انطلقوا في سَفْرةٍ سافروها حتى نزلوا بحي ّمن أحياء العرب فاستضافوهم فَأَبَوّا أن يُضَيْفُوهم، فَلُدِغَ سيد ذلك الحي، فسعوا له بكل شيء؛ ولا ينفعه شيء، فقال بعضهم: لو أتيتم هؤلاء الرَّهْط الذين نزلوا بكم لعله أن يكون عند بعضهم شيء، فأتُوْهُم فقالوا: يا أيها الرَّهْطُ إن سَيَدنَا لُدِغ فسعينا له بكل شيء لا ينفعه شيء، فهل عند أحد منكم شيء؟ فقال بعضهم: نعم والله إني لَراقٍ ولكن والله لقد استضفناكم فلم تُضَيَفُونا فما أنا براقٍ لكم حتى تجعلوا لنا جُعْلاً، فَصَالحُوهم على قطيع من الغنم، فانطلق فجعل يَتْفُلُ ويقرأُ (الحمد لله رب العالمين) حتى لكأنما نَشَِطَ من عِقَالٍ، فانطلق يمشي ما به قُلْبَهٌ، قال: فأَوْفُهُم جُعْلهم الذي صالحوهم عليه. فقال بعضهم اقسموا، فقال الذي أرقىَ: لا تفعلوا حتى نأتي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فنذكر له الذي كان فننظر ما يأمرنا، فَقَدِمُوا على رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم- فذكروا له، فقال - صلى الله عليه وسلم-: وما يُدريك أنّها رُقْيَه؟ أَصَبتُم اقْسِمُوا واضربوا لي معكم بِسهمٍ.(انتهى).
وشرح الحديث: أن رهطاً – أي جماعة – من أصحاب الرسول - صلى الله عليه وسلم- انطلقوا بسفرة ونزلوا بحي من أحياء العرب وطلبوا أن يُضافوا، فلم يستضفهم العرب، وقدر الله تعالى ولُدغ سيد ذلك الحي، وحاول قومه إنقاذه، فلمّا عجزوا أتوا الصحابة يسألوهم إن كان عندهم ما ينقذ سيدهم، فأخبرهم أحد الصحابة أنه راقٍ ولكنه لن يرقي لهم حتى يجعلوا له جعلاً – أي عطاءً- لأنهم سبق ورفضوا استضافتهم، فصالحوهم على أن يعطوهم قطيع من الغنم إن شُفي السيد الملدوغ، فذهب له الصحابي - رضي الله عنه- وأخذ يتفل ويقرأ الفاتحة حتى شُفي السيد، وخرج كأنه كان مربوط في عُقال وانطلق يمشي ما به من قُلبة - أي لا يعرج ولا يتقلب وكان يتقلب مما لدغه- ومن ثمّ سددوا لهم ما صالحوهم عليه من قطيع الغنم، ورفض الصحابي الذي أرقى أن يقتسموا الغنم حتى يأتي رسول الله ويسأله إن كان يصح له أن يتقاضى أجرة الرقية، فلما أتى الرسول - صلى الله عليه وسلم- وذكر له ما حدث، فقال صلى الله عليه وسلم: وما يُدريك أنها رقية؟ - أي كيف عرفت أن الفاتحة رُقية رغم أنه - صلى الله عليه وسلم- لم يذكر ذلك، وهو سؤال به التعجب والاستحسان من الرسول - صلى الله عليه وسلم- كيف سلك هذا الصحابي هذا المسلك دون تلميح مُسبق من الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم شرّع الرسول - صلى الله عليه وسلم - بجواز أن يقبضوا أجرة الرُقية، وفي هذا الحديث الذي أكد به الرسول صلى الله عليه وسلم على المفهوم الأساسي للاستحداث والإبداع الذي ورد بالحديث فيما معناه: من سنّ سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة لا ينقص من أجورهم شيء ومن سنّ سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة لا ينقص من أوزارهم شيء.
وحديث أبي سعيد الخذري رضي الله عنه يرُدُّ على الذين يستنكرون العلاج بالقرآن بالكريم ويستنكرون على الذين يتلمسون الآيات التي بها بركة الشفاء ويكرروها مئات المرات، ويدعي المستنكرون قائلين: لما ترقوا وتفعلوا ما لم يفعل الرسول - صلى الله عيه وسلم- متهمين الرقاة بالبدعة، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
وعن صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا آوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه ثم نفث فيهما فقرأ قل هو الله أحد وقل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس ثم يمسح بها ما استطاع من جسده، يبدأ بهما على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده يفعل ذلك ثلاث مرات، وكان إذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوذات وينفث، فلما اشتد وجعه كنت أقرأ عليه وأمسح بيده رجاء بركتها. (انتهى).
وهناك عشرات الأحاديث التي تؤكد أن الرسول - صلى الله عليه وسلم- أقر أعمال للصحابة رضي الله عنهم لم يأتها هو شخصياً - صلوات الله عليه وعلى آله وصحبه- وكان هذا السلوك للصحابة - رضوان الله عليهم- من بعده هو صفة عامة لهم، ومنها جمع سيدنا عثمان رضي الله عنه للقرآن الكريم، وكان كثيرون قد أنكروا عليه عمله واتهموه بمخالفة سنة الرسول - صلى الله عيه وسلم- وسنة أبو بكر وعمر بن الخطاب من قبله - رضي الله عنهم أجمعين- ومما قيل له: أن الله تعالى قد تعهد بحفظ القرآن فلماذا يخالف سنة الرسول - صلى الله عليه وسلم- ويجمع القرآن، والحقيقة أنه لولا موقف سيدنا عثمان بن عفان -رضي الله عنه- لفقدنا القرآن، ولكن من حفظ الله تعالى للقرآن الكريم أنه سخر سيدنا عثمان لجمعه وتوزيعه على الأمصار.
وسار التابعون على نفس الدرب وجمعوا الحديث الشريف على الرغم من وجود نهي عن ذلك من الرسول - صلى الله عيه وسلم- حتى لا يخلط الحديث بالقرآن الكريم، وهكذا تمّ جمع الفقه وتبويبه.
ومبدأ الاستشفاء بالقرآن الكريم قد أقره الله تعالى: { وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَآءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَاراً }82 الإسراء، وبهذه الآية قد فرق الله بين الشفاء والرحمة، فالقرآن له خاصية الشفاء من الأمراض، وخاصية الرحمة من الضلال، وهما خاصيتان تجريان على المؤمنين، وله خاصية الخسارة التي تجري على الظالمين بالتزامن مع شفاء ورحمة المؤمنين- سبحان الله.
كما قال تعالى: ( وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أعْجَمِيّاً لَّقَالُواْ لَوْلاَ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ ءَاعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ هُدًى وَشِفَآءٌ وَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَـئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ ) 44 فصلت،
وبهذه الآية فرق الله تعالى بدقة بين الهدى وبين الشفاء، فالهدى للعقول والقلوب والشفاء للأجساد، وبنفس المفهوم أكدت الآية على خاصية خسارة الظالمين (وهو عليهم عمى).
وهناك آلاف الشواهد على أن القرآن هو شفاء ورحمة للمؤمنين، ونكتفي هنا بهذه القصة عن الإمام ابن القيم - رحمه الله تعالى-: ( لقد مرّ بي وقت في مكة سقمت ولم أجد طبيباً ولا دواءً، فكنت أُعالج نفسي بالفاتحة، فأرى لها تأثيراً عجيباً، آخُذ شربة من ماء زمزم وأقرأ عليها مراراُ ثم أشربها، فوجدت بذلك البرء التام، فصرت أعتمد ذلك عند كثير من الأوجاع فأنتفع به غاية الانتفاع، فكنت أصف ذلك لمن يشتكي ألما فكان كثير منهم يبرأ سريعاً) وهو الذي قال: ( من لم يشفيه القرآن فلا شفاء له ومن لم يكفه القرآن فلا كفاه الله).
لقد وضعت هذا الأمر نُصب عيني شخصياً وجربته على نفسي وأولادي وإخواني في الله فنفعنا الله به كثيراً.
ومن الأدلة الثابتة في القرآن الكريم عن أن مس الشيطان سبب الأمراض وكثير من البلاء، قصة سيدنا أيوب عليه السلام قال تعالى: (وَاذْكُرْ عَبْدَنَآ أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ ) 41 ص، والنَّصَب هو التعب والإعياء وفي تفسير ابن كثير: ( قيل بنصب في بدني وعذاب في مالي وولدي )، وهذه الآية دالة بدلالة قطعية أن سيدنا أيوب قد شكى إلى الله – تعالى - أن ما أصابه في بدنه وماله وعياله كان بمس الشيطان - لعنه الله تعالى.
ونعود إلى السحرة وعلاماتهم تمهيدا لمعرفة العلاقة بينهم وبين الشياطين وأمراض البشر وما يجري على الأرض من أحداث.
وأهم علامات السحرة أنهم يسألون عن اسم الشخص واسم أمه، فكل من يسأل عن اسم الشخص واسم أمه ساحر مخاوٍ الشياطين، ويدعي السحرة بأنهم مخاوون ملائكة أو جن رحماني وهذا محض افتراء، ذلك لأن السحر قائم على الكفر بالله تعالى.
ويكتب السحرة الحُجب وغير ذلك من طرق السحر كالقراءة بالطلاسم ومُحرفات القرآن على الشراب وغيره ويسحرون الناس بواسطة طلاسم وتلاوة آيات قرآنية يقلبون بعض كلماتها أو يضيفون طلاسم بين كلماتها ويسحرون الماء أو السوائل أو الطعام أو التراب ويسقونه الناس أو يضعوه بطريقهم أو يأخذون من أثرهم ويعقدون سحرهم، كما يطلبون حرق أو تعليق حُجب أو أوراق، والسحر يتسبب برصد شيطان أو أكثر ليمشي وراء الإنسان المسحور ينتظر الفرصة ليدخل إلى جسده، ولا يستطيع الشيطان دخول المسحور إلا إذا كان ممن أرتكب أحد الآثام السابق شرحها ومنها إتيان ساحر أو عرّاف أو قبول التعاطي معهم، قال تعالى ( وما هم بضارّين به من أحدٍ إلا بإذن الله) 102 البقرة، وإذنُ الله -عز وجل- هنا موقوف على ذنوب البشر السابق شرحها والله أعلم.
وعادةً فإن من يقبل أخذ حجاب به سحر يكون قد لبسه شيطان ودخل جسده يأكل معه ويشرب معه وينكح معه، حتى وإن صلى وتصدق وصام وقرأ القرآن، وكل حجاب يُصر كاتبه على عدم فتحه وعدم قراءته به سحر، ولو تمّ فتحه لوجد به طلاسم أو آيات قرآنية بينها طلاسم أو آيات بها قلب بالكلمات أو أرقام أو جداول أو كلمات غير عربية، وعادةً تكتب بالنجاسة من دم حيض أو تُغسل بالبول أو تُلوث بالبراز أو تُبخر بالنجاسة، كما وأن كل من يقبل أن يشم من بخور ساحر أو محروقه أو يشرب من عنده أو يأكل من عمله فقد وقع في شباكه وأصابه سحر ويدخل جسده شيطان.
والأصل أن إتيان العرافين أو السحرة من الكفر بنص الحديث الشريف عن الرسول صلى الله عليه وسلم ( من أتى عرافاً أو كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد) - صلى الله عليه وسلم- وفي حديث أخر ( من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة).
ومن علامات السحرة أنهم فقراء؛ ذلك لأن الشياطين أول ما تدخل فإنها تدخل أجسادهم وتلبسهم ثم تلبس زوجاتهم وأطفالهم، فهم في ضنك وخلاف عائلي شديد ولو حاول الساحر إغضاب أو رفض أوامر الشياطين أو الرجوع عن كفره وضلاله فإن الشياطين يقومون بإيلام جسده؛ وذلك لكونهم يتحكمون في مراكز الإحساس والأعصاب في الجسم، ويتحكمون بزوجته وأولاده؛ لتصبح حياته محض نكد وضنك.
ويترقّى الساحر بقدر إذلاله لأسماء الله الحسنى وكتابه وشعائره، حتى يصل به الأمر أن يكتب آيات الله -عز وجل- في الحُجب أو السحر بالنجاسات أو دم الحيض أو دم ذبيحة لم يذكر إسم الله تعالى عليها أو ذَكر اسم أحد الشياطين عليها، أو يغسل الحجاب بالنجاسات من البول أو البراز أو الدم أو يضع بين فخذيه القرآن، ومنهم من يكتب القرآن على أسفل قدمه ومنهم من يضع القرآن بالمرحاض، وكلما زاد فسق الساحر زاد عدد خدمه من الشياطين حتى يزني بمحارمه ويدخل المسجد جُنب ويُسلم زوجته للزنا وما إلى ذلك من فسق وضلال وفساد حتى يصل إلى السجود للشيطان.
ومن أعمال السحرة تجنيد سحرة آخرين، وهؤلاء الذين يقعون بالفخ يكونون مخدوعين بأنهم يخدمون ويبجلون أهل كرامة وأهل الله، بعدها يُقرر الساحر أن يُِعّرف المُريد (التلميذ) إلى جن رحماني – وما هو برحماني بل شيطان رجيم- وربما قال له أنه سيعرفه بملاك وأنه بالتعاون مع الجني أو الملاك المزعوم سيخدم البشر ويُصلح ذات البين، ويُزوج العانس، ويُصلح بين الزوجين وينصر المظلوم ويُخرج الشياطين من الملبوسين، وما إلى ذلك من أعمال خير مزعومة، وعليه يتشجع المُريد(التلميذ) حبا منه بالخير ويبدأ الارتباط بقسم يُسمى ( تعزيم ) به شرك ( والقسم أو التعزيم هو نداء سري يتكون من كلمات وطلاسم ينادي بها الساحر ملك الشياطين المتعاهد معهم الساحر) يؤدي إلى إدخال الشيطان جسد المُريد، ويقوم الشيطان بعدها بحركات تفرحه ومنها تقويته جنسياً، ويؤكد له أنه يحرسه أثناء نومه وترحاله ويجلب له أخبار البعيدين، وعادةً يكون القسم به آيات ليتلبس الحق بالباطل على المبتدأ، ويظن بأنه على الحق، ومن تلبيس الشياطين على المُريد أن الشيطان يوهمه بأنه صلى الفجر بالحرم مثلا، وهو أمر هين على الشياطين التي تستطيع أن تخلق بالمنام زواج ومعاشرة كاملة، ثم يُطلب منه كتابة حجُب بآيات قرآنية مع تغير بسيط بكلمات الآيات مدعين أن ذلك أقوى للخير - سبحان الله ومن هو أبلغ من الله ليقوي آيات الله تعالى- ويتدرج المُريد بالسحر ويتبع خطوات الشياطين إلى الهاوية وينغمس بالشهوات والفسق حتى يُصبح هو وأهل بيته أسرى الشياطين.
ملخص صفات السحرة وأعمالهم
1- يسأل عن اسم الشخص واسم أمه.
2- قد يطلب الساحر أثر وذلك لأن الشياطين لهم حاسة شم أكبر من البشر بكثير.
3- يتمتم بما لا نفهم على الهواء أو المشروبات أو الطعام أو يكتب حروفاً أو أرقاماً أو جداول أو طلاسم أو يكتب القرآن مقطع أو حروفه مقلوبة أو بين آياته رموز وطلاسم أو يدعي بأنه كتب أسماء الله تعالى بغير العربية.
4- يُحذر بألا لا يتم فتح حجابه ويختلق أسباب شتى لذلك.
5- يقرأ القرآن وبين آياته يتمتم بما لا نفهم أو يقرأ بين آياته غير القرآن.
6- يطلب الذبح بصيغ غير شرعية أو ذكر أسماء أخرى مع اسم الله تعالى، وقد يدعي أنها أسماء لله بلغات سابقة.
7- يطلب تعليق أوراق بها طلاسم أو جداول أو أرقام وأسماء أو يطلب حرقها أو دفنها.
8- يُحدد أيام معينه مدعيا أن بها سيجاب الدعاء، وهؤلاء أصحاب سحر الكواكب.
9- تكون ظاهر تصرفاته اليومية بها انحراف عن الشريعة الإسلامية ومخالفات صريحة لأوامر الله -تعالى.
10- قد يُعطيك ورقة وتجد بها آيات قرآنية صحيحة ولا شيء آخر، ولو كان صادقاً لطلب منك أن تكتب أنت بقلمك وبيدك تلك الآيات، أو طلب منك حمل مصحف به كل الآيات، ولكنه نفث أو داس أو بخر الورقة بنجاسة قاصداَ إذلال كلمات الله -عز وجل.
11- يرفض أن يُرقي نفسه كما ورد في هذا الكتاب ويُشكك بها ويحاربها.
12- يدعي السحرة بأنهم مخاوون جن رحماني أو ملاك لعلاج ومساعدة البشر.
13- يقومون بأعمال بها خرق للعادة مثل ضرب الشيش والمشي على النار مدعين الكرامات، ولو كانوا من أهل الحق لكانوا في الثغور مع المجاهدين.
14- يدعي بعض السحرة أنهم من أهل الذكر ويحرصون على مجالس ذكر تبدأ بذكر الله ثم تتحول إلى هز ورقص وانفعالات لا تتناسب مع الخشوع ويذكرون أسماء شياطين مثل ( أه، أوه، إه، هه، لو، له، ..الخ).
15- يدعي السحرة في اللقاءات الأولى أنهم لا يتقاضون مال مقابل أعمالهم، ثم تنهال طلباتهم لاحقا.
الحكم الشرعي في السحرة
كل من يتعامل بالسحر هو كافر بإجماع العلماء سواء برر عمله بحسن نية أو سوء نية، وذلك بنص القرآن ( إنما نحن فتنة فلا تكفر) 102 البقرة، والشياطين لا تخدم الساحر حتى يقوم بعمل به إهانة لكلمات الله -عز وجل- أو أسمائه الحسنى أو شعائره أو قرآنه، وهذا شر الكفر، وحدّ الساحر القتل بالسيف، والساحر لا يُستتاب على رأي بعض العلماء، وإن كان الساحر بغير أرض يقام عليها الحد الشرعي فلا يجوز للمسلمين التعامل معه أو بيعه أو الشراء منه أو السلام عليه أو ملامسته ذلك لأنه لا يُؤتمن شر السحرة بأن يسحروا الإنسان بمجرد اللمس أو حتى النفث.
ومن المؤكد أنه لا يُعد التحدث مع الجن من السحر كون أنه يجب التحدث معهم أثناء التفاوض لإخراجهم أو دعوتهم للإسلام، ولكن من أكثر الأخطاء التي يقع بها الرقاة بأن يوهمهم أحد الشياطين بأنه أسلم وبأنه سيخدم الراقي في حرب الشياطين المتلبسين في الناس.
والسحرة هم أولياء الشيطان الذين يتعمدون إذلال كلمات الله تعالى، وقتالهم أمر من الله -عز وجل- حيث قال: ( فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفا) 76 النساء، والسحرة هم أولياء وجنود الشيطان وأدواته، ويحرُم التودد إليهم، والود هو قليل الحب وذلك بنص الآية ( لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم ) 22 المجادلة، ومعنى الحد هو الوقوف في الحد والجبهة المقابلة لحد وجبهة الله -عز وجل-، ومعنى الآية أنه لا يوجد قوم يؤمنون بالله تعالى واليوم الآخر – وبالتالي فهم كفار - يقبلون التودد إلى من وقف في الحد والجبهة المضادة لجبهة الله -عز وجل- وهل هناك جبهة للكفر أشد ممن يُحقّر قرآن الله تعالى وأسمائه الحسنى وشعائره؟! وبهذا يكون التودد إلى السحرة كفر.
كل العقائد الفاسدة هي أدوات للشياطين تُضل بها البشر.
وكل الموجهين الروحانيين لتلك العقائد متصلون مع الشياطين مباشرة.
كيف يتلبس الشيطان جسد الإنسان؟
يبدأ الساحر ومريدوه (تلاميذه) في الإشاعة بين الناس بأن الساحر هو شيخ دين مُبارك صاحب كرامات، وعادةً ما يدّعي أتّباعه إحدى طرق الذكر، والذاكرون منهم بريئون، وأنه يعمل الحُجب للحاجات ويحل المشاكل ويرُشد إلى المفقود ويعالج المرضى ويُيسر الزواج والنصر، والتفريق والخسارة للعدو وغير ذلك، ومن ثم يتساقط بين يديه المغفلين طالبين المساعدة منه، فيكتب لهم الحُجب أو يعمل لهم سحر أو يسقيهم أو يشممهم بخور أو محروق أو يعقد لهم خيوط وينفث فيها أو غير ذلك من سحرهم، وحيث أنّ القادم إليهم يكون قد ارتكب أحد الكبائر؛ وذلك لأن إتيان السحرة أو العرافين من الكبائر، وبهذا ينكسر حصن الإنسان ويدخل في جسده فوراً شيطان أو أكثر ويخنس بداخله.
وبهذا يكون زائر السحرة أول المصابين بالسحر، وأهم مراكز يستهدفها الشياطين هي مراكز الإحساس والتخيل والذاكرة ومراكز التحكم بأعضاء الجسم ليتسببوا الأمراض، ويعمل الشياطين مسح كيميائي لجسم الإنسان فيحددون ما يضره وما ينفعه فيصرفونه عما ينفعه ويرغبونه بما يضره، ويحدد الشياطين مراكز التحكم بجسم الإنسان فيؤثرون عليها مستخدمين طاقة أجسادهم، وُملخص أسلوبهم في تسبب الأمراض أنهم مخلوقون من مارج من نار فأصبحوا طاقه ( فوتون) وهذه الطاقة تتسبب في تشويه برمجة مراكز التحكم في جسم الإنسان، فتختل وظائفها فتُسبب الأمراض وتعطيل بعض أجهزة الجسم أو تُسبب سوء أدائها، كما تُخفّض مناعة الجسم فتُسبب التقاط الفيروسات والميكروبات.
وكما خلقنا الله من طين فأصبحنا لحماً ودماً، فلقد خلق الله تعالى الملائكة من نور، وخلق الجن من مارج من نار قال تعالى: ( وَخَلَقَ الْجَآنَّ مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ ) 15 الرحمن، وجاء في تفسير ابن كثير: (وخلقه الجان من مارج من نار، وهو طرف لهيبها، قاله الضحاك عن ابن عباس، وبه يقول عكرمة ومجاهد والحسن وابن زيد، وقال العوفي عن ابن عباس: من مارج من نار من لهب النار من أحسنها، وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: من مارج من نار من خالص النار، وكذلك قال عكرمة ومجاهد والضحاك وغيرهم. وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خلقت الملائكة من نور، وخلق الجان من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم» ورواه مسلم عن محمد بن رافع وعبد بن حميد، كلاهما عن عبد الرزاق به.) انتهى.
فيزيائية أجساد الشياطين
والنار هي الطاقة، وبالتجارب فإن الشياطين طاقة تشابه الطاقة الكهرومغناطيسية، ويجري عليها قوانين فيزياء الكهرومغناطيسية، ويمكن جمعها ومطها وحبسها، والله أعلم.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن الشياطين تشبه الكائنات وحيدة الخلية، فهذه الكائنات لا تحتاج إلى فم لتأكل، بل أن جدارها الذي يُلامس الغذاء يتحول إلى فم، وكلها تتحول إلى جهاز هضمي، وكلها تتحول إلى جهاز توزيع للطاقة، فهي ليست بحاجة لنظام نقل للدم مثلاً، وإذا اقتطع جزء من الخلية تبقى باقي الخلية تُمارس نفس أعمالها ونشاطها، وهكذا الشيطان إذا اقتطع جزء من جسمه فإنه يبقى يُمارس نشاطه بحجم أقل وأضعف، كما أن الشيطان الذي يلبس إنسان لا يكون بداخله بكامل، لذلك أثناء الرُقية يتم اقتطاع أجزاء من أجسام الشياطين وحرقها إلى أن يتم فناؤهم، فعلى الراقي أن يواصل الرقية دون يأس ولا يتخيل أن الأمر يتم فوراً، وبمزيد من التشبيه، فلو أنه تمّ إشعال النار في خزان نفط فهل يحترق خلال لحظة أم يحتاج إلى وقت لينتهي؟ وخلال هذا الوقت إذا أردت أن تتأكد من تمام الحرق يجب أن تحرص على استمرار النار مشتعلة، وهنا يكون استمرار الاشتعال باستمرار الدعاء بالرقية.
ولنفهم أكثر وأعمق فيزيائية الشياطين - لعنهم الله تعالى ونصرنا عليهم - فإنه علينا أن نتذكر أنه قبل أن يخلق لله تعالى أدم عليه السلام لم يكن هناك أسماء للأشياء، وأن الملائكة عجزوا أن يعرفوا أسماء الأشياء، وأن أول من سمى الأشياء هو سيدنا أدم عليه السلام، إذا كيف كان يتفاهم الملائكة فيما بينهم؟ وأيضا كيف كان يتفاهم الجن فيما بينهم؟
فنحن البشر من أجل أن نعبر عن جملة ما فإننا ننطق بكلمات دالة على ما نود وصفه وحيث أننا مخلوقات مادية فإن التواصل فيما بيننا يتم بأسلوب مادي وهو ضخ الهواء من الرئة تم تحريكه بواسطة أحبالنا الصوتية واللسان وبالتالي تنتقل الموجات الهوائية إلى أذان من حولنا وهناك يتم تحويلها إلى موجات كهرومغناطيسية ترسل إلى الدماغ الذي تدرب وخزن كم هائل من المعلومات، وعليه يبدأ الدماغ بتشكل تصور عن الأحداث التي سمعها.
لكن الملائكة والجن ليسوا مخلوقين من مواد بل من طاقة، إذا آلية سمعهم مختلفة عنا ولا بد أن تكون آلية تبادل طاقة تتناسب مع أجسادهم المخلوقة من طاقة، وأكيد نوعية طاقة الملائكة مختلفة عن نوعية طاقة الجن، الخلاصة أنهم لا بد أنهم يتبادلوا المعلومات عبر إرسال موجات طاقة فيها وصف الفلم المراد إرساله والفم لا بد أن يكون سلسلة صور، وفي الحقيقة هذا بالضبط ما يقوم به الشياطين حينما يخاطبوننا نحن البشر، نحن لا نسمع كلامهم بل نشعر بوسواسهم، لذلك قال الله تعالى: من شر الوسواس الخناس، أي أنه يُرسل لنا أفكاره بالوسوسة عبر الإيحاء.
إذا الجن يتبادلوا المعلومات بالإيحاء، والحقيقة أن كل تبادلاتهم هي بالطاقة، وبمعنى أوضح ما يأكله الشياطين هو طاقة سلبية، وكلما زادت الطاقة السلبية المتوفرة زادت ضخامة نمو الشيطان – لعنه الله ونصرنا عليه – وكلمات الله تعالى تنتج طاقة إيجابية تحصن الأِشياء ومنها المأكل والمشرب والملبس وحتى الزواج فلا يتمكن الشيطان من كسب طاقة منها، والأحداث الفاسدة تنتج طاقة سلبية يتغذى عليها الشياطين ومنها الشرك والربا والقتل والزنا ومجمل الفساد.
وبكل تأكيد فإن كل الأعمال الخيرة تنتج طاقة إيجابية لا يستطيع الشيطان أن يأكلها ولا الاقتراب منها، بل لو كانت النية من تلك الأعمال هي حرق الشيطان وحربه لتوجهت الطاقة الإيجابية إليه وحرقته، أما إذا كان لا يوجد نية بهذا الاتجاه فالطاقة الناتجة هي طاقة ايجابية تبقى في الكون والله أعلم.
وتوسعا في شرح هذا الشأن المهم، فنحن البشر ندفع للحكومات مواد مما نكتسب فبالماضي كان الناس يسددون الضرائب للدولة من محاصيل الأرض والحيوانات، أما الشياطين فإنهم يدفعوا إلى دولتهم طاقة.
دولة إبليس لعنه الله تعالى ونصرنا عليه قائمة على هيكلية بحيث يقوم صغار الشياطين بسداد نسبة من مكتسباتهم للطاقة السلبية إلى من هم أعلى وبالتالي إلى قائدهم الأعلى إبليس لعنه الله تعالى ونصرنا عليه.
وبالمقابل فإنه عندما يتم الهجوم على جنوده من أئمة الكفر من البشر عبر القراءة عليهم آيات الله تعالى وكلماته، فإن إبليس يقوم بإرسال جيوش من الشياطين تتصدى للطاقة القرآنية المهاجمة ويحموا بأجسادهم أئمة الكفر معرضين أنفسهم للحرق بالقرآن الكريم وكلمات الله تعالى، ويقوم إبليس بصفته المخزن الأكبر للطاقة بعملية إمداد للطاقة المفقودة منهم وهكذا تتكون معرفتنا البدائية والأساسية عن الطبيعة الفيزيائية للقتال والجهاد ضد الشياطين وإبليس - لعنهم الله ونصرنا عليهم – وعليه ولكي يتم إيقاف تدفق هذه الطاقة عن جنود إبليس - لعنهم الله ونصرنا عليهم – لا بد من أن يتم ضرب إبليس نفسه في كل مواجهة حتى يفقد القدرة على تغذية وتعويض جنوده ما يفقدوا من طاقة إثناء القتال.
ويجب أن نوضح هنا أمر هام وهو إننا نحن البشر مخلوقين من مادة، وحسب قانون أينشتاين فإن المادة إذا تحولت إلى طاقة فإنها تكون لا نهائية، وبالتالي فإننا عندما نقرأ على الشياطين وأئمة الكفر من البشر نقوم بتحويل مادة من أجسامنا إلى طاقة قرآنية فتصبح لا نهائية تقريبا لذلك يتمكن فرد واحد من المؤمنين البشر المُخلصين من مواجهة ملاين ومليارات الشياطين بحول الله تعالى وقدرته.
إذا إبليس والشياطين طاقة سلبية فاسدة مفسدة ناتجة عن الأعمال الفاسدة، يشكلون دولة ويتلبسون البشر ويديرون شؤون الأرض من خلال حكومة خفية تتلبس أجساد البشر ولها صلات عبر السحرة لعنهم الله ونصرنا عليهم.
الحرب المقدسة.
مما سبق تدارسنا حرص المولى تعالى أن يفهمنا من أول قرآنه الكريم وحتى آخره، أن قصتنا نحن البشر بدأت عندما خلق الله تعالى أبونا أدم - عليه السلام - وأمر الملائكة أن يسجدوا له فسجدوا إلا إبليس – نصرنا الله عليه – الذي كان من الجن وكان بعبادته قد رفعه الله - تعالى - إلى مرتبة الملائكة.
رفض إبليس – نصرنا الله عليه - ال
{وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}سورة البقرة 282.
الحكومة الخفية للعالم
دولة إبليس والشياطين والسحرة والجن -
لعنهم الله تعالى ونصرنا عليهم
أولا: نُريد أن نؤكد أن الإيمان بوجود الشياطين هو من صُلب عقيدتنا الإسلامية، وأن الله -عز وجل- حرص على أن ُيفهمنا من أول القرآن الكريم في سورة البقرة وحتى أخر سورة في القرآن الكريم، وهي سورة الناس بأن إبليس وجنوده - لعنهم الله - هم عدونا الأول والأكثر لدادةً وكيدًا ومكرًا، وأن الحياة في الأرض تدور حول إذن من جلال الله -عز وجل- إلى اللعين إبليس لعنه الله، بالتسلط على الناس لإضلالهم.
إن تكرار الله -عز وجل- لتحذيراته من أوائل آيات القرآن وحتى آخره، وتكرار سرد القصة من أوجه عديدة وتكرار التحذير من الشياطين والحرص على إفهامنا أبعاد المعركة وخطورة العدو وأساليبه وأهدافه، هذا الحرص من الله -عز وجل- لم يكن عبثاً ولا لهواً،.... بل لأنه الأمر الأخطر في الحياة، وأساس كل الحروب التي خاضتها وتخوضها الأمة الإسلامية وأساس كل حروب العالم، وإن هذا الموضوع هو ألف باء الحياة التي يجب فهمها حتى نُسيّر شؤون حياتنا من أبسطها في بيوتنا مع أطفالنا وأزواجنا إلى أعظمها، ولذلك حرص الرسول صلى الله عليه وسلم على تعليمنا الاستعاذة والتحرز من الشيطان بكل عمل نقوم به في حياتنا، قال تعالى:( أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يبَنِي آدَمَ أَن لاَّ تَعْبُدُواْ الشَّيطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ * وَأَنِ اعْبُدُونِي هَـذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ * وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُواْ تَعْقِلُونَ ) 60-62 يس.
وجميع جنود إبليس - لعنه الله - هم في الغالب أبناؤه وأحفاده، ويُعتبر القرآن من أهم وسائل قتلهم كما سنشرح لاحقا، فهم لا يمرضون ولا يصابون بحوادث إلا ما ندر، ويُعالجون أجسامهم التي تحترق بالقرآن أو من الحوادث خلال ثلاث أيام والله اعلم، فبعد اليوم الأول يُكملوا علاج نصف حروقهم وفي اليوم الثاني ثلاث أرباع حروقهم وفي الثالث يُشفون تماما، وأعداد الشياطين كثيرةً جدا وتفوق البشر بكثير، لذلك عادةً ما نُصادف من يتلبسه عدة شياطين وأحيانا ملايين الشياطين.
وإبليس - لعنه الله - كان من الجن فسخطه الله تعالى عندما رفض السجود لسيدنا آدم عليه السلام، كما سخطه الله -عز وجل- مرةً ثانية عندما بُعث نور البشر سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم- ومرةً ثالثة عندما نزلت سورة الفاتحة، والسخط كان لإبليس - لعنه الله - ولمن تبعه من قومه، وعليه فإن الشياطين قوم مسخوطون عن الجن.
وقيل أن الجن هم قوم من الملائكة، وقيل أن إبليس – لعنه الله - كان قد رُفع إلى قدر الملائكة بما كان قد توسم بأفعال الملائكة وتشبه بهم من تعبد وتنسك، والدليل على ذلك قوله تعالى: ( وَإِذَا قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ ) 50 الكهف، فلقد شمله الله تعالى مع الملائكة بأمر السجود التشريفي لسيدنا ادم عليه السلام، وجاء في تفسير ابن كثير: ( قال الحسن البصري: ما كان إبليس من الملائكة طرفة عين قط، وإنه لأصل الجن، كما أن آدم عليه السلام أصل البشر، رواه ابن جرير بإسناد صحيح عنه) والله أعلم.
وإبليس وجنوده - لعنهم الله - لا يزرعون ولا يحصدون ولا يبنون بيوتاُ ولا يشترون طعاماُ ولا يطبخون ولا يحيكون ملابساُ ولا يحتاجون إلى المال، هم يعيشون شبه عالة على بني البشر ومتفرغون لتضليلهم وهدم حياتهم وذلك بنشر الفاحشة والصد عن سبيل الله تعالى، وإفقار البشر والتسبب في الأمراض، حيث الفقر والمرض هو سبيلهم لبيع الأعراض وارتكاب الجرائم ونشر الفاحشة، وأكثر أعداء إبليس وجنوده هم المجاهدون في سبيل الله -عز وجل- ثم الدعاة إلى الله تعالى ثم الأقل فالأقل تقوى من المسلمين.
وتأكل الشياطين العظم وروث الحيوان ويشموا الروائح التي نشمّها ويتمتعوا جداً بالبخور، ويعيشون بالصحاري والجبال والخرب، كما تشارك الشياطين الناس في كل ما لم يذكروا اسم الله عليه من أكل أو لبس أو غيره، ويستمتعوا جدا بالمخدرات والمُسكِرات والدّخان بأنواعه (السجائر والشيشة)، كما ويحب الشياطين الموسيقى والرقص جدا، ويعيش الشياطين في المزابل وبين الناس وفي بيوتهم وخاصة الأماكن النجسة من الحمامات (داخل المراحيض والبلاليع)، وهم قبائل ولهم ملوك، ويتزعم الشياطين إبليس - لعنه الله- ولهم دولة لها تنظيمها المُعقد في التسلسل القيادي، ومن الشياطين من هو طائر، ومنهم الزواحف، والغواص وكلهم يتحرك بسرعة الموجات الكهرومغناطيسية ( الضوء) والله أعلم.
ولقد شرح كتاب ( تلبيس إبليس- لابن الجوزي البغدادي) الكثير عن المهارات الفردية للشياطين في تلبيس الحق بالباطل وجر الناس بخطوات الضلال، ومن أفضل الكتب في شرح الغامض من حياة الجن معتمدا القرآن والسنة كتاب ( أحكام المُرجان في إحكام الجان للشيخ بدر الدين الشبلي )، كما أن كتاب (أحجار على رقعة الشطرنج) لكاتبه الضابط النصراني في البحرية الأمريكية قدم معلومات قيمة عن كيفية تخطيط إبليس والشياطين - لعنهم الله- بالتعاون مع قادة البشر لتحريض الحروب بين الدول وهدم قيم البشرية وأخلاقها وصرفهم عن توحيد الله -عز وجل- ( في الطبعات الأخيرة حُذِف الكثير من أسرار هذا الكتاب).
ومن المعلومات الخاطئة عند كثير من البشر أن الاستعاذة بالله تعالى وذكر اسم الله -عز وجل- والبسملة تصرف الشياطين، بل وأكثر من ذلك فإن الناس تعتقد خطأً أن الذين يُصلون ويقرؤون القرآن، لا تقترب منهم الشياطين ولا يُصيبهم سحر، ويظنون أن الشياطين لا تدخل المساجد وخاصة الحرم المكي، والحقيقة إن الاستعاذة أو البسملة هي فقط تُبعد القرين والشياطين عن العمل الذي نحن بصدده، ولكنهم يبقون على مسافة قريبة منا وقد تكون خارج البيت أو أبعد قليلاً، إلا الذين عليهم حفظة من الله تعالى، أما من يتلبسه الشيطان فان الشيطان يبقى داخل جسده يأكل معه ويلازمه وينكح معه والعياذ بالله من هذا البلاء، قال تعالى (وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ) 64- الإسراء، ويخنُس الشيطان إذا ذُكر الله ً داخل جسد المتلبس به، ويدخل معه المسجد ويبقى معه في صلاته وحتى وهو يقرأ القرآن يسمع ويرى مستخدما الجسد البشري ويحضر الاجتماعات التي يُذكر فيها اسم الله تعالى، فإذا ذُكر الله تعالى قبل الأكل فإن الشيطان يتأذى من الأكل المسمى عليه كما نتأذى من شرب الماء المالح مثلاً، ويبقى داخل الجسد خانساُ، وهنا مكمن الخطر فذكر الله -عز وجل- لا يحمينا إلا من الشياطين المتجولة، وليس كل المتجولة بل فقط الضعيف منها الذي لا يحتمل ذكر الله عز وجل، وإننا نحتاج الكثير لنحمي أنفسنا من الشياطين المردة أو من الشياطين المتلبسة داخل أجسام البشر، وهذا هو جوهر هذا الكتيب وسببه، إن قول الدعاء الوارد بالحديث عن رسولنا الحبيب - صلوات الله وسلامه عليه- عند الخروج من البيت ( بسم الله توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله ) يُبعد الشيطان عنا مسافة تكفي لأمننا، وكذلك دعاء دخول البيت ودعاء الخروج من المسجد، ومع ذلك تبقى الشياطين تسرح في المسجد بين المصلين وأثناء الصلاة وأثناء قراءة القرآن، ويتحملون الحروق التي تصيبهم من نور القرآن، والدليل على ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يأمر بسد الفراغات بين المصلين لكي لا يتخللهم الشياطين، كما ورد في الحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم صد إبليس الذي هاجمه بالنار وهو في المسجد يصلي.
أما الشياطين التي تلبست جسد الإنسان فإنها تخنس داخل الجسد عند ذكر الله -عز وجل- ولا تهرب، وتبقى تسمع وترى مسيطرةً على الحواس الخمس لجسد المتلبس به، وذكر الله -عز وجل- يحرقها، ولكنها تتحمل الكثير من الحرق قبل أن تستسلم، كما أن الشياطين الراصدة لشخص ما بعينه تبقى تلاحق الشخص المرصود، والرصد لا يكون إلا بعمل سحر، ويبقى الشيطان ملاحقاُ للمسحور ولو عن بعد حتى تحين له الفرصة فيتلبس المرصود، فعلى سبيل المثال إن تمّ عمل سحر لشخص ما، فإن الشيطان الموكّل بالسحر يبقى يُلاحق الإنسان المراد عن بعد ما دام ذاكراً لله -عز وجل- متحصناً به، ويبقى الشيطان ينتظر الفرصة التي يرتكب بها هذا الشخص أحد الأخطاء التي تسبب كسر الحصن الطبيعي للمرصود ومن ثمّ يدخل الشيطان إلى جسمه ويتلبسه.
مسببات كسر حصن الإنسان الطبيعي الذي خلقه الله -عز وجل- والحافظ من الشياطين:
1- نواقض الإسلام وهي باختصار ( التعرض بأذى لذات الله أو صفاته أو أسمائه، الشرك الأكبر بالله، التعرض بأذى للقرآن، التعرض بأذى للرسول - صلى الله عليه وسلم- أو لأحد من المُرسلين، نقض معلوم من الدين بالضرورة، تحليل الحرام أو تحريم الحلال، موالاة الذين كفروا، الحكم بغير ما أنزل الله، السحر)، ومن التعرض بأذى لذات الله هو سب الله أو الدين، ومن الشرك بالله الحلف بغير الله أو الذبح لغيره، ومن تحليل الحرام هو اعتبار التعري سلوكاً شخصياً لا علاقة للإسلام به أو اعتبار الربا تجارة وغيره .
2- ارتكاب أي من الكبائر ولو مرة واحدة وهي ( الشرك بالله، إتيان السحرة، قتل النفس التي حرم الله، قذف المؤمنات المحصنات، أكل مال اليتيم، أكل الربا، التولي يوم الزحف، الزنا، اللواط، أكل أموال الناس بالباطل، شهادة الزور، شرب الخمر، لعب الميسر، عقوق الوالدين، الخيانة، الكذب، نقض العهد ..الخ )، ومن التعامل والتعاطي مع السحر هو إتيان السحرة أو العرافين أو المنجمين أو قارئي الحظ أو الكف أو ما شابه ذلك، ومن الزنا حضور المراقص أو الأفلام الخلاعية أو المسلسلات والبرامج التلفزيونية التي تبدو بها عورات النساء أو الرجال أو إسقاط المرأة لحجابها خاصة إذا زادت من كشف جسدها، وشر من الزنا هو الترويج للزنا مثل بيع الصحف والمجلات الداعية للفجور والزنا، وشر من الربا الترويج للربا وذلك بالعمل في البنوك الربوية، ومن القتل إمداد جنود الكفر ولو بقطرة ماء، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من شارك بقتل مسلم ولو بشق كلمة كتب على جبينه آيس من رحمة الله) ولا يخفى على عاقل بأن إمداد جنود الكفر بقطرة ماء هو أمر أكثر من المشاركة بشق كلمة لقتل أكثر من مسلم، وللمزيد نرجو مراجعة كتاب الكبائر.
3- الغفلة الشديدة عن ذكر الله -عز وجل- وأكثر الغفلة كسرًا لحصن المسلم ترك الصلاة وما فرض الله -عز وجل- من صيام وزكاة، ويبقى الحصن مكسوراً حتى يعود المُسلم إلى الله -عز وجل- ويستغفره بشدة عن غفلته وذنوبه.
4- الغضب الشديد أو الفزع الشديد أو (النقزة) أو الرعب الشديد أو القنوط أو اليأس من رحمة الله -عز وجل- ويحدث كسر الحصن إذا لم يُذكر اسم الله -عز وجل- فور وقوع هذه الحالات، ويبقى الحصن مكسوراً حتى يعود الإنسان إلى طبيعته، وبالنقزة يدخل الشيطان أجسام معظم الأطفال، ومعظم الأطفال المشاغبين والفاشلين بالدراسة ملبوسون شياطين والله أعلم.
5- الوقوع تحت تأثير السحر من أسباب كسر الحصن الطبيعي للمسحور، والسحر كالضربة فإذا كان الحصن قوياً بشكل كافٍ، ردّ الضربة، أما إذا كان الحصن ضعيفاً فيتم خرقه، والسحر درجات وأنواع، وليس بالضرورة أن سحر الإنسان يسبب دخول شيطان إلى جسده، ولكن السحر قد يكسر الحصن فإذا كُسر دخله شيطان، والسحر يُسبب توهم الإنسان بغير الحقيقة كما تمّ إيهام سيدنا موسى عليه السلام وخُيل له من السحر بأن الحبال والعصي تسعى قال تعالى: (قَالَ بَلْ أَلْقُواْ فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى) 66 طه، والمسحور قد يسمع أو يرى غير الحقيقة، ومن ثم تختلط عليه الأمور ويسيء التصرف، وقد تزداد الحالة سوءً حتى يصل إلى الجنون، فإذا تسبب السحر بدخول الشياطين إلى الجسد، فإن الشياطين تتسبب بالأمراض على اختلاف أنواعها كما سنشرح لاحقاً.
ما سبق شرحه يوضح سبب كسر الحصن الطبيعي للمسلم والذي يسمح بدخول شيطان إلى الجسد، وتدخل الشياطين إلى جسد الإنسان لسببين:
السبب الأول: ما يُسمى بالمس العارض، حيث يكون شيطان قريب من الإنسان فيرى هذا الشيطان أن الحصن وقد كُسر لإنسان ما فيستغل الأمر ويلبسه.
السبب الثاني: المس بالسحر ويكون نتيجة وجود شيطان يُلاحق إنسان بعينه مرصود بسبب عمل سحر، وفي كل الأحوال لا يدخل الشيطان إلى المُسلم المُحصّن كما أرشدنا الحبيب رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ولا يعني دخول الشياطين إلى الجسم أنها بدأت فورا بالتحكم في حواسه، ولكن مع توالي الكبائر يستحوذ الشياطين على الجسد والتفكير، وسنشرح لاحقا كيف يُحصن المسلم نفسه فلا يدخل جسده شيطان ولا يتأثر بسحر بعون الله تعالى.
إذن لكل إنسان حصن طبيعي خلقه له الله -عز وجل- يحفظه من الشياطين، إلا أن الإنسان يكسر حصنه بيده وذلك بارتكاب أحد الآثام السابق شرحها ولا يُعاد الحصن إلا بعد التوبة النصوحة وإعادة الحق إلى أهله والاستغفار الشديد.
إن معظم الكفار وظلمة المسلمين وفساقهم وأصحاب الكبائر تسكن أجسامهم شياطين، وكذلك الكثير ممن يدّعون التعبد، وأنهم من أهل الذكر، وأهل الذكر منهم بريئون، والمشكلة أنه وبعد توبة المسلم وتمسكه بالعبادة لا يخرج الشيطان من جسده بل يخنُس ويختبئ في أماكن في جسده تحميه من الحرق بنور القرآن وعبادة الله -عز وجل-، ويعود الشيطان للتجول في الجسد مع أول غفلة عن ذكر اسم الله -جل جلاله- أي خلال دقائق وأحيانا ثوانٍ، ولكي يتم إخراج الشياطين من جسد الإنسان فأنه يحتاج إلى علاج بتكرار الرقية مئات المرات، وبعض الناس يسكنهم الشياطين منذ طفولتهم وحتى موتهم !!
ثانياً: إن الإيمان بوجود السحر هو من عقيدتنا بنص الآية الكريمة: (وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَـكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَآ أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ) البقرة 102.
إذن السحر موجود وهو علم خلقه الله تعالى فتنة، وهو يُفرق بين المرء وزوجه، ويَضرُّ ولا ينفع أبدًا فلا يوجد سحر نافع أبداً بل فقط للأذى، وهذا بنص القرآن المُحكم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه بدليل قوله تعالى: ( وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ).
ولقد سحر يهودي سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم- بعد الهجرة أي بعد نبوته بأكثر من ثلاث عشر عاماً، وبقي الرسول - صلى الله عليه وسلم- يعاني من السحر أشهر، كما ورد عند ابن كثير، على الرغم من كونه رسول نزل عليه القرآن وهو حبيب الله تعالى، وكان ذلك لأنه قدوتنا، ومن ثم علّمنا الله تعالى كيف نُبطل السحر بحول الله وقدرته وذلك بقراءة آيات من كتاب الله تعالى ( مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ) 81- يونس، وسنبين لاحقا بعون الله جل جلاله كيفية عمل ذلك، أَخرج البيهقي في دلائل النبوّة من: طريق الكلبي، عن أَبي صالح، عن ابن عباس قال: مرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم- مرضاً شديداً فأتاه ملكان، فقعد أَحدهما عند رأَسه والآخر عند رجليه، فقال الذي عند رجليه للذي عند رأْسه: ما ترى؟ قال: طُبَّ، قال: وما طُبَّ؟ قال: سحر، قال: ومن سحره؟ قال: لبيد بن الأَعصم اليهودي، قال: أَين هو؟ قال: في بئر آل فلان تحت صخرة في كرية، فأَتوا الركية فانزحوا ماءها وارفعوا الصخرة ثمَّ خذوا الكرية واحرقوها. فلمَّا أَصبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بعث عمار بن ياسر في نفر، فأَتوا الركية فإذا ماؤها مثل ماء الحناء، فنزحوا الماء ثمَّ رفعوا الصخرة، وأخرجوا الكرية وأَحرقوها فإذا فيها وتر فيه إحدى عشرة عقدة، وأُنزلت عليه هاتان السورتان فجعل كلمَّا قرأ آية انحلت عقدة: {قُلْ أَعُوُذُ بِرَبِّ الفَلَقِ}، {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاس}..(انتهى)
ولكي نفهم فيزيائية عمل السحر والشياطين فعلينا أن نفهم أن مشاعر الإنسان وأفكاره وطريقة تحكمه بأعضاء جسده والأسلوب الذي يسمع أو يرى به ما هو إلا طاقة تنتج وتنتقل على شكل موجات ومجالات كهرومغناطيسية، وبالتالي فإن التلاعب بهذه الموجات والمجالات الكهرومغناطيسية يُسبب تعطيل بعض أعضاء الجسم، وقد يُسبب هذا العطل قتل جنين أو توقف عضو أو سوء أدائه، وقد يُسبب سوء التقدير أو اختلاط الأفكار أو تداخلها، والأمر يزداد وضوحاً إذا علمنا أن الوظائف اللاإرادية التي يقوم بها جسم الإنسان ليست إلا برامج مخزنة بخلايا ومراكز تحكُّم في العقل، وأن هذه البرامج يستطيع السحر أو الشياطين النيل منها إلا المحصن منها بأمر الله الذي لا يؤودُهُ حفظ السموات والأرض وما بينهما، فالسحر هو مجال طاقة يشابه المجالات الكهرومغناطيسية ويؤثر على مجالات الطاقة للإنسان، وعلى سبيل المثال فإن الحيوانات المنوية للرجل والتي تُفرز من الخصيتين، يمكن التلاعب بإنتاجها أو توقفها نهائياً لو توقفت الأوامر من الدماغ الآمرة بالإنتاج، أو لو تمّ تشويش الأمر، وما قد يحدث مع الخصيتين قد يحدث مع أي غدة أخرى للإنسان سواءً كان على صعيد توقف إنتاج البويضات للمرأة أو خلخلة نظام المناعة للجسم، فيصبح سهل المنال من الميكروبات والفيروسات أو غيره من الأمور التي تسبب السرطان ومعظم أمراض الإنسان، والحقيقة المذهلة هي مدى دقة المعلومات الطبية للشياطين عن جسم الإنسان.
وأعوان الشياطين من البشر هم السحرة والعرافون والمُبصِّرون وقارئو الكف والفنجان لعنهم الله جميعاً، وهؤلاء يتقنون فنون التخفي بأثواب المشايخ وأصحاب الكرامات والّزهاد والذاكرين – والذاكرون منهم بريئون، وما هم إلا كفار أولياء الشياطين وجنودهم، هدفهم تنكيس كلمة الله -عز وجل- وتحقير شعائره، وهم أبعد ما يكون عن أصحاب الكرامات أو عن الذاكرين والذاكرات.
ويقصد الناس السحرة طالبين الخير والشفاء تاركين ما علّمنا الله من الذِكر الذي يجلب الخير والرزق، فمنه للرزق قراءة سورة الواقعة، ولمن فقد شيئاُ تكرار سورة الضُحى ولمن خاف قوماُ تكرار أية (فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ) 137 البقرة، و للمظلوم تكرار آية (حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) 173 أل عمران، وتكرار أية ( وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ) 44 غافر، وللمجاهدين تكرار أية ( رَبَّنَآ أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) 250 البقرة، وللتخفي من الكفار تكرار آية (وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً ومِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً فَأغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ ) 9 يس، ولمن أُصيب ببلاء تكرار أية ( لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ) 87 الأنبياء، ولمن لا يُنجب تكرار آية ( رَبِّ لاَ تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ) 89 الأنبياء، وغير ذلك من الآيات التي فيها ذِكر ودُعاء، بل لم يترك القرآن دعاء نحن بحاجة له إلا علمنا إياه، فالحمد لله القائل ( مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ) 38 الأنعام، وهذا هو سبيل المؤمنين في قضاء حاجاتهم وليس اللجوء إلى السحرة بل اللجوء إلى الله الذي قال: ( وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَداً ) 27 الكهف، أي أنه لن تجد سوى الله تعالى يحفظك كما يحفظ اللحد جسد الميت.
وقبل مواصلة هذا البحث في صفات السحرة والسحر يجب أن نتوقف هنا لسرد الحديث التالي من صحيح البخاري: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن رَهْطاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، انطلقوا في سَفْرةٍ سافروها حتى نزلوا بحي ّمن أحياء العرب فاستضافوهم فَأَبَوّا أن يُضَيْفُوهم، فَلُدِغَ سيد ذلك الحي، فسعوا له بكل شيء؛ ولا ينفعه شيء، فقال بعضهم: لو أتيتم هؤلاء الرَّهْط الذين نزلوا بكم لعله أن يكون عند بعضهم شيء، فأتُوْهُم فقالوا: يا أيها الرَّهْطُ إن سَيَدنَا لُدِغ فسعينا له بكل شيء لا ينفعه شيء، فهل عند أحد منكم شيء؟ فقال بعضهم: نعم والله إني لَراقٍ ولكن والله لقد استضفناكم فلم تُضَيَفُونا فما أنا براقٍ لكم حتى تجعلوا لنا جُعْلاً، فَصَالحُوهم على قطيع من الغنم، فانطلق فجعل يَتْفُلُ ويقرأُ (الحمد لله رب العالمين) حتى لكأنما نَشَِطَ من عِقَالٍ، فانطلق يمشي ما به قُلْبَهٌ، قال: فأَوْفُهُم جُعْلهم الذي صالحوهم عليه. فقال بعضهم اقسموا، فقال الذي أرقىَ: لا تفعلوا حتى نأتي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فنذكر له الذي كان فننظر ما يأمرنا، فَقَدِمُوا على رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم- فذكروا له، فقال - صلى الله عليه وسلم-: وما يُدريك أنّها رُقْيَه؟ أَصَبتُم اقْسِمُوا واضربوا لي معكم بِسهمٍ.(انتهى).
وشرح الحديث: أن رهطاً – أي جماعة – من أصحاب الرسول - صلى الله عليه وسلم- انطلقوا بسفرة ونزلوا بحي من أحياء العرب وطلبوا أن يُضافوا، فلم يستضفهم العرب، وقدر الله تعالى ولُدغ سيد ذلك الحي، وحاول قومه إنقاذه، فلمّا عجزوا أتوا الصحابة يسألوهم إن كان عندهم ما ينقذ سيدهم، فأخبرهم أحد الصحابة أنه راقٍ ولكنه لن يرقي لهم حتى يجعلوا له جعلاً – أي عطاءً- لأنهم سبق ورفضوا استضافتهم، فصالحوهم على أن يعطوهم قطيع من الغنم إن شُفي السيد الملدوغ، فذهب له الصحابي - رضي الله عنه- وأخذ يتفل ويقرأ الفاتحة حتى شُفي السيد، وخرج كأنه كان مربوط في عُقال وانطلق يمشي ما به من قُلبة - أي لا يعرج ولا يتقلب وكان يتقلب مما لدغه- ومن ثمّ سددوا لهم ما صالحوهم عليه من قطيع الغنم، ورفض الصحابي الذي أرقى أن يقتسموا الغنم حتى يأتي رسول الله ويسأله إن كان يصح له أن يتقاضى أجرة الرقية، فلما أتى الرسول - صلى الله عليه وسلم- وذكر له ما حدث، فقال صلى الله عليه وسلم: وما يُدريك أنها رقية؟ - أي كيف عرفت أن الفاتحة رُقية رغم أنه - صلى الله عليه وسلم- لم يذكر ذلك، وهو سؤال به التعجب والاستحسان من الرسول - صلى الله عليه وسلم- كيف سلك هذا الصحابي هذا المسلك دون تلميح مُسبق من الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم شرّع الرسول - صلى الله عليه وسلم - بجواز أن يقبضوا أجرة الرُقية، وفي هذا الحديث الذي أكد به الرسول صلى الله عليه وسلم على المفهوم الأساسي للاستحداث والإبداع الذي ورد بالحديث فيما معناه: من سنّ سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة لا ينقص من أجورهم شيء ومن سنّ سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة لا ينقص من أوزارهم شيء.
وحديث أبي سعيد الخذري رضي الله عنه يرُدُّ على الذين يستنكرون العلاج بالقرآن بالكريم ويستنكرون على الذين يتلمسون الآيات التي بها بركة الشفاء ويكرروها مئات المرات، ويدعي المستنكرون قائلين: لما ترقوا وتفعلوا ما لم يفعل الرسول - صلى الله عيه وسلم- متهمين الرقاة بالبدعة، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
وعن صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا آوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه ثم نفث فيهما فقرأ قل هو الله أحد وقل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس ثم يمسح بها ما استطاع من جسده، يبدأ بهما على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده يفعل ذلك ثلاث مرات، وكان إذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوذات وينفث، فلما اشتد وجعه كنت أقرأ عليه وأمسح بيده رجاء بركتها. (انتهى).
وهناك عشرات الأحاديث التي تؤكد أن الرسول - صلى الله عليه وسلم- أقر أعمال للصحابة رضي الله عنهم لم يأتها هو شخصياً - صلوات الله عليه وعلى آله وصحبه- وكان هذا السلوك للصحابة - رضوان الله عليهم- من بعده هو صفة عامة لهم، ومنها جمع سيدنا عثمان رضي الله عنه للقرآن الكريم، وكان كثيرون قد أنكروا عليه عمله واتهموه بمخالفة سنة الرسول - صلى الله عيه وسلم- وسنة أبو بكر وعمر بن الخطاب من قبله - رضي الله عنهم أجمعين- ومما قيل له: أن الله تعالى قد تعهد بحفظ القرآن فلماذا يخالف سنة الرسول - صلى الله عليه وسلم- ويجمع القرآن، والحقيقة أنه لولا موقف سيدنا عثمان بن عفان -رضي الله عنه- لفقدنا القرآن، ولكن من حفظ الله تعالى للقرآن الكريم أنه سخر سيدنا عثمان لجمعه وتوزيعه على الأمصار.
وسار التابعون على نفس الدرب وجمعوا الحديث الشريف على الرغم من وجود نهي عن ذلك من الرسول - صلى الله عيه وسلم- حتى لا يخلط الحديث بالقرآن الكريم، وهكذا تمّ جمع الفقه وتبويبه.
ومبدأ الاستشفاء بالقرآن الكريم قد أقره الله تعالى: { وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَآءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَاراً }82 الإسراء، وبهذه الآية قد فرق الله بين الشفاء والرحمة، فالقرآن له خاصية الشفاء من الأمراض، وخاصية الرحمة من الضلال، وهما خاصيتان تجريان على المؤمنين، وله خاصية الخسارة التي تجري على الظالمين بالتزامن مع شفاء ورحمة المؤمنين- سبحان الله.
كما قال تعالى: ( وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أعْجَمِيّاً لَّقَالُواْ لَوْلاَ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ ءَاعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ هُدًى وَشِفَآءٌ وَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَـئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ ) 44 فصلت،
وبهذه الآية فرق الله تعالى بدقة بين الهدى وبين الشفاء، فالهدى للعقول والقلوب والشفاء للأجساد، وبنفس المفهوم أكدت الآية على خاصية خسارة الظالمين (وهو عليهم عمى).
وهناك آلاف الشواهد على أن القرآن هو شفاء ورحمة للمؤمنين، ونكتفي هنا بهذه القصة عن الإمام ابن القيم - رحمه الله تعالى-: ( لقد مرّ بي وقت في مكة سقمت ولم أجد طبيباً ولا دواءً، فكنت أُعالج نفسي بالفاتحة، فأرى لها تأثيراً عجيباً، آخُذ شربة من ماء زمزم وأقرأ عليها مراراُ ثم أشربها، فوجدت بذلك البرء التام، فصرت أعتمد ذلك عند كثير من الأوجاع فأنتفع به غاية الانتفاع، فكنت أصف ذلك لمن يشتكي ألما فكان كثير منهم يبرأ سريعاً) وهو الذي قال: ( من لم يشفيه القرآن فلا شفاء له ومن لم يكفه القرآن فلا كفاه الله).
لقد وضعت هذا الأمر نُصب عيني شخصياً وجربته على نفسي وأولادي وإخواني في الله فنفعنا الله به كثيراً.
ومن الأدلة الثابتة في القرآن الكريم عن أن مس الشيطان سبب الأمراض وكثير من البلاء، قصة سيدنا أيوب عليه السلام قال تعالى: (وَاذْكُرْ عَبْدَنَآ أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ ) 41 ص، والنَّصَب هو التعب والإعياء وفي تفسير ابن كثير: ( قيل بنصب في بدني وعذاب في مالي وولدي )، وهذه الآية دالة بدلالة قطعية أن سيدنا أيوب قد شكى إلى الله – تعالى - أن ما أصابه في بدنه وماله وعياله كان بمس الشيطان - لعنه الله تعالى.
ونعود إلى السحرة وعلاماتهم تمهيدا لمعرفة العلاقة بينهم وبين الشياطين وأمراض البشر وما يجري على الأرض من أحداث.
وأهم علامات السحرة أنهم يسألون عن اسم الشخص واسم أمه، فكل من يسأل عن اسم الشخص واسم أمه ساحر مخاوٍ الشياطين، ويدعي السحرة بأنهم مخاوون ملائكة أو جن رحماني وهذا محض افتراء، ذلك لأن السحر قائم على الكفر بالله تعالى.
ويكتب السحرة الحُجب وغير ذلك من طرق السحر كالقراءة بالطلاسم ومُحرفات القرآن على الشراب وغيره ويسحرون الناس بواسطة طلاسم وتلاوة آيات قرآنية يقلبون بعض كلماتها أو يضيفون طلاسم بين كلماتها ويسحرون الماء أو السوائل أو الطعام أو التراب ويسقونه الناس أو يضعوه بطريقهم أو يأخذون من أثرهم ويعقدون سحرهم، كما يطلبون حرق أو تعليق حُجب أو أوراق، والسحر يتسبب برصد شيطان أو أكثر ليمشي وراء الإنسان المسحور ينتظر الفرصة ليدخل إلى جسده، ولا يستطيع الشيطان دخول المسحور إلا إذا كان ممن أرتكب أحد الآثام السابق شرحها ومنها إتيان ساحر أو عرّاف أو قبول التعاطي معهم، قال تعالى ( وما هم بضارّين به من أحدٍ إلا بإذن الله) 102 البقرة، وإذنُ الله -عز وجل- هنا موقوف على ذنوب البشر السابق شرحها والله أعلم.
وعادةً فإن من يقبل أخذ حجاب به سحر يكون قد لبسه شيطان ودخل جسده يأكل معه ويشرب معه وينكح معه، حتى وإن صلى وتصدق وصام وقرأ القرآن، وكل حجاب يُصر كاتبه على عدم فتحه وعدم قراءته به سحر، ولو تمّ فتحه لوجد به طلاسم أو آيات قرآنية بينها طلاسم أو آيات بها قلب بالكلمات أو أرقام أو جداول أو كلمات غير عربية، وعادةً تكتب بالنجاسة من دم حيض أو تُغسل بالبول أو تُلوث بالبراز أو تُبخر بالنجاسة، كما وأن كل من يقبل أن يشم من بخور ساحر أو محروقه أو يشرب من عنده أو يأكل من عمله فقد وقع في شباكه وأصابه سحر ويدخل جسده شيطان.
والأصل أن إتيان العرافين أو السحرة من الكفر بنص الحديث الشريف عن الرسول صلى الله عليه وسلم ( من أتى عرافاً أو كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد) - صلى الله عليه وسلم- وفي حديث أخر ( من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة).
ومن علامات السحرة أنهم فقراء؛ ذلك لأن الشياطين أول ما تدخل فإنها تدخل أجسادهم وتلبسهم ثم تلبس زوجاتهم وأطفالهم، فهم في ضنك وخلاف عائلي شديد ولو حاول الساحر إغضاب أو رفض أوامر الشياطين أو الرجوع عن كفره وضلاله فإن الشياطين يقومون بإيلام جسده؛ وذلك لكونهم يتحكمون في مراكز الإحساس والأعصاب في الجسم، ويتحكمون بزوجته وأولاده؛ لتصبح حياته محض نكد وضنك.
ويترقّى الساحر بقدر إذلاله لأسماء الله الحسنى وكتابه وشعائره، حتى يصل به الأمر أن يكتب آيات الله -عز وجل- في الحُجب أو السحر بالنجاسات أو دم الحيض أو دم ذبيحة لم يذكر إسم الله تعالى عليها أو ذَكر اسم أحد الشياطين عليها، أو يغسل الحجاب بالنجاسات من البول أو البراز أو الدم أو يضع بين فخذيه القرآن، ومنهم من يكتب القرآن على أسفل قدمه ومنهم من يضع القرآن بالمرحاض، وكلما زاد فسق الساحر زاد عدد خدمه من الشياطين حتى يزني بمحارمه ويدخل المسجد جُنب ويُسلم زوجته للزنا وما إلى ذلك من فسق وضلال وفساد حتى يصل إلى السجود للشيطان.
ومن أعمال السحرة تجنيد سحرة آخرين، وهؤلاء الذين يقعون بالفخ يكونون مخدوعين بأنهم يخدمون ويبجلون أهل كرامة وأهل الله، بعدها يُقرر الساحر أن يُِعّرف المُريد (التلميذ) إلى جن رحماني – وما هو برحماني بل شيطان رجيم- وربما قال له أنه سيعرفه بملاك وأنه بالتعاون مع الجني أو الملاك المزعوم سيخدم البشر ويُصلح ذات البين، ويُزوج العانس، ويُصلح بين الزوجين وينصر المظلوم ويُخرج الشياطين من الملبوسين، وما إلى ذلك من أعمال خير مزعومة، وعليه يتشجع المُريد(التلميذ) حبا منه بالخير ويبدأ الارتباط بقسم يُسمى ( تعزيم ) به شرك ( والقسم أو التعزيم هو نداء سري يتكون من كلمات وطلاسم ينادي بها الساحر ملك الشياطين المتعاهد معهم الساحر) يؤدي إلى إدخال الشيطان جسد المُريد، ويقوم الشيطان بعدها بحركات تفرحه ومنها تقويته جنسياً، ويؤكد له أنه يحرسه أثناء نومه وترحاله ويجلب له أخبار البعيدين، وعادةً يكون القسم به آيات ليتلبس الحق بالباطل على المبتدأ، ويظن بأنه على الحق، ومن تلبيس الشياطين على المُريد أن الشيطان يوهمه بأنه صلى الفجر بالحرم مثلا، وهو أمر هين على الشياطين التي تستطيع أن تخلق بالمنام زواج ومعاشرة كاملة، ثم يُطلب منه كتابة حجُب بآيات قرآنية مع تغير بسيط بكلمات الآيات مدعين أن ذلك أقوى للخير - سبحان الله ومن هو أبلغ من الله ليقوي آيات الله تعالى- ويتدرج المُريد بالسحر ويتبع خطوات الشياطين إلى الهاوية وينغمس بالشهوات والفسق حتى يُصبح هو وأهل بيته أسرى الشياطين.
ملخص صفات السحرة وأعمالهم
1- يسأل عن اسم الشخص واسم أمه.
2- قد يطلب الساحر أثر وذلك لأن الشياطين لهم حاسة شم أكبر من البشر بكثير.
3- يتمتم بما لا نفهم على الهواء أو المشروبات أو الطعام أو يكتب حروفاً أو أرقاماً أو جداول أو طلاسم أو يكتب القرآن مقطع أو حروفه مقلوبة أو بين آياته رموز وطلاسم أو يدعي بأنه كتب أسماء الله تعالى بغير العربية.
4- يُحذر بألا لا يتم فتح حجابه ويختلق أسباب شتى لذلك.
5- يقرأ القرآن وبين آياته يتمتم بما لا نفهم أو يقرأ بين آياته غير القرآن.
6- يطلب الذبح بصيغ غير شرعية أو ذكر أسماء أخرى مع اسم الله تعالى، وقد يدعي أنها أسماء لله بلغات سابقة.
7- يطلب تعليق أوراق بها طلاسم أو جداول أو أرقام وأسماء أو يطلب حرقها أو دفنها.
8- يُحدد أيام معينه مدعيا أن بها سيجاب الدعاء، وهؤلاء أصحاب سحر الكواكب.
9- تكون ظاهر تصرفاته اليومية بها انحراف عن الشريعة الإسلامية ومخالفات صريحة لأوامر الله -تعالى.
10- قد يُعطيك ورقة وتجد بها آيات قرآنية صحيحة ولا شيء آخر، ولو كان صادقاً لطلب منك أن تكتب أنت بقلمك وبيدك تلك الآيات، أو طلب منك حمل مصحف به كل الآيات، ولكنه نفث أو داس أو بخر الورقة بنجاسة قاصداَ إذلال كلمات الله -عز وجل.
11- يرفض أن يُرقي نفسه كما ورد في هذا الكتاب ويُشكك بها ويحاربها.
12- يدعي السحرة بأنهم مخاوون جن رحماني أو ملاك لعلاج ومساعدة البشر.
13- يقومون بأعمال بها خرق للعادة مثل ضرب الشيش والمشي على النار مدعين الكرامات، ولو كانوا من أهل الحق لكانوا في الثغور مع المجاهدين.
14- يدعي بعض السحرة أنهم من أهل الذكر ويحرصون على مجالس ذكر تبدأ بذكر الله ثم تتحول إلى هز ورقص وانفعالات لا تتناسب مع الخشوع ويذكرون أسماء شياطين مثل ( أه، أوه، إه، هه، لو، له، ..الخ).
15- يدعي السحرة في اللقاءات الأولى أنهم لا يتقاضون مال مقابل أعمالهم، ثم تنهال طلباتهم لاحقا.
الحكم الشرعي في السحرة
كل من يتعامل بالسحر هو كافر بإجماع العلماء سواء برر عمله بحسن نية أو سوء نية، وذلك بنص القرآن ( إنما نحن فتنة فلا تكفر) 102 البقرة، والشياطين لا تخدم الساحر حتى يقوم بعمل به إهانة لكلمات الله -عز وجل- أو أسمائه الحسنى أو شعائره أو قرآنه، وهذا شر الكفر، وحدّ الساحر القتل بالسيف، والساحر لا يُستتاب على رأي بعض العلماء، وإن كان الساحر بغير أرض يقام عليها الحد الشرعي فلا يجوز للمسلمين التعامل معه أو بيعه أو الشراء منه أو السلام عليه أو ملامسته ذلك لأنه لا يُؤتمن شر السحرة بأن يسحروا الإنسان بمجرد اللمس أو حتى النفث.
ومن المؤكد أنه لا يُعد التحدث مع الجن من السحر كون أنه يجب التحدث معهم أثناء التفاوض لإخراجهم أو دعوتهم للإسلام، ولكن من أكثر الأخطاء التي يقع بها الرقاة بأن يوهمهم أحد الشياطين بأنه أسلم وبأنه سيخدم الراقي في حرب الشياطين المتلبسين في الناس.
والسحرة هم أولياء الشيطان الذين يتعمدون إذلال كلمات الله تعالى، وقتالهم أمر من الله -عز وجل- حيث قال: ( فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفا) 76 النساء، والسحرة هم أولياء وجنود الشيطان وأدواته، ويحرُم التودد إليهم، والود هو قليل الحب وذلك بنص الآية ( لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم ) 22 المجادلة، ومعنى الحد هو الوقوف في الحد والجبهة المقابلة لحد وجبهة الله -عز وجل-، ومعنى الآية أنه لا يوجد قوم يؤمنون بالله تعالى واليوم الآخر – وبالتالي فهم كفار - يقبلون التودد إلى من وقف في الحد والجبهة المضادة لجبهة الله -عز وجل- وهل هناك جبهة للكفر أشد ممن يُحقّر قرآن الله تعالى وأسمائه الحسنى وشعائره؟! وبهذا يكون التودد إلى السحرة كفر.
كل العقائد الفاسدة هي أدوات للشياطين تُضل بها البشر.
وكل الموجهين الروحانيين لتلك العقائد متصلون مع الشياطين مباشرة.
كيف يتلبس الشيطان جسد الإنسان؟
يبدأ الساحر ومريدوه (تلاميذه) في الإشاعة بين الناس بأن الساحر هو شيخ دين مُبارك صاحب كرامات، وعادةً ما يدّعي أتّباعه إحدى طرق الذكر، والذاكرون منهم بريئون، وأنه يعمل الحُجب للحاجات ويحل المشاكل ويرُشد إلى المفقود ويعالج المرضى ويُيسر الزواج والنصر، والتفريق والخسارة للعدو وغير ذلك، ومن ثم يتساقط بين يديه المغفلين طالبين المساعدة منه، فيكتب لهم الحُجب أو يعمل لهم سحر أو يسقيهم أو يشممهم بخور أو محروق أو يعقد لهم خيوط وينفث فيها أو غير ذلك من سحرهم، وحيث أنّ القادم إليهم يكون قد ارتكب أحد الكبائر؛ وذلك لأن إتيان السحرة أو العرافين من الكبائر، وبهذا ينكسر حصن الإنسان ويدخل في جسده فوراً شيطان أو أكثر ويخنس بداخله.
وبهذا يكون زائر السحرة أول المصابين بالسحر، وأهم مراكز يستهدفها الشياطين هي مراكز الإحساس والتخيل والذاكرة ومراكز التحكم بأعضاء الجسم ليتسببوا الأمراض، ويعمل الشياطين مسح كيميائي لجسم الإنسان فيحددون ما يضره وما ينفعه فيصرفونه عما ينفعه ويرغبونه بما يضره، ويحدد الشياطين مراكز التحكم بجسم الإنسان فيؤثرون عليها مستخدمين طاقة أجسادهم، وُملخص أسلوبهم في تسبب الأمراض أنهم مخلوقون من مارج من نار فأصبحوا طاقه ( فوتون) وهذه الطاقة تتسبب في تشويه برمجة مراكز التحكم في جسم الإنسان، فتختل وظائفها فتُسبب الأمراض وتعطيل بعض أجهزة الجسم أو تُسبب سوء أدائها، كما تُخفّض مناعة الجسم فتُسبب التقاط الفيروسات والميكروبات.
وكما خلقنا الله من طين فأصبحنا لحماً ودماً، فلقد خلق الله تعالى الملائكة من نور، وخلق الجن من مارج من نار قال تعالى: ( وَخَلَقَ الْجَآنَّ مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ ) 15 الرحمن، وجاء في تفسير ابن كثير: (وخلقه الجان من مارج من نار، وهو طرف لهيبها، قاله الضحاك عن ابن عباس، وبه يقول عكرمة ومجاهد والحسن وابن زيد، وقال العوفي عن ابن عباس: من مارج من نار من لهب النار من أحسنها، وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: من مارج من نار من خالص النار، وكذلك قال عكرمة ومجاهد والضحاك وغيرهم. وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خلقت الملائكة من نور، وخلق الجان من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم» ورواه مسلم عن محمد بن رافع وعبد بن حميد، كلاهما عن عبد الرزاق به.) انتهى.
فيزيائية أجساد الشياطين
والنار هي الطاقة، وبالتجارب فإن الشياطين طاقة تشابه الطاقة الكهرومغناطيسية، ويجري عليها قوانين فيزياء الكهرومغناطيسية، ويمكن جمعها ومطها وحبسها، والله أعلم.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن الشياطين تشبه الكائنات وحيدة الخلية، فهذه الكائنات لا تحتاج إلى فم لتأكل، بل أن جدارها الذي يُلامس الغذاء يتحول إلى فم، وكلها تتحول إلى جهاز هضمي، وكلها تتحول إلى جهاز توزيع للطاقة، فهي ليست بحاجة لنظام نقل للدم مثلاً، وإذا اقتطع جزء من الخلية تبقى باقي الخلية تُمارس نفس أعمالها ونشاطها، وهكذا الشيطان إذا اقتطع جزء من جسمه فإنه يبقى يُمارس نشاطه بحجم أقل وأضعف، كما أن الشيطان الذي يلبس إنسان لا يكون بداخله بكامل، لذلك أثناء الرُقية يتم اقتطاع أجزاء من أجسام الشياطين وحرقها إلى أن يتم فناؤهم، فعلى الراقي أن يواصل الرقية دون يأس ولا يتخيل أن الأمر يتم فوراً، وبمزيد من التشبيه، فلو أنه تمّ إشعال النار في خزان نفط فهل يحترق خلال لحظة أم يحتاج إلى وقت لينتهي؟ وخلال هذا الوقت إذا أردت أن تتأكد من تمام الحرق يجب أن تحرص على استمرار النار مشتعلة، وهنا يكون استمرار الاشتعال باستمرار الدعاء بالرقية.
ولنفهم أكثر وأعمق فيزيائية الشياطين - لعنهم الله تعالى ونصرنا عليهم - فإنه علينا أن نتذكر أنه قبل أن يخلق لله تعالى أدم عليه السلام لم يكن هناك أسماء للأشياء، وأن الملائكة عجزوا أن يعرفوا أسماء الأشياء، وأن أول من سمى الأشياء هو سيدنا أدم عليه السلام، إذا كيف كان يتفاهم الملائكة فيما بينهم؟ وأيضا كيف كان يتفاهم الجن فيما بينهم؟
فنحن البشر من أجل أن نعبر عن جملة ما فإننا ننطق بكلمات دالة على ما نود وصفه وحيث أننا مخلوقات مادية فإن التواصل فيما بيننا يتم بأسلوب مادي وهو ضخ الهواء من الرئة تم تحريكه بواسطة أحبالنا الصوتية واللسان وبالتالي تنتقل الموجات الهوائية إلى أذان من حولنا وهناك يتم تحويلها إلى موجات كهرومغناطيسية ترسل إلى الدماغ الذي تدرب وخزن كم هائل من المعلومات، وعليه يبدأ الدماغ بتشكل تصور عن الأحداث التي سمعها.
لكن الملائكة والجن ليسوا مخلوقين من مواد بل من طاقة، إذا آلية سمعهم مختلفة عنا ولا بد أن تكون آلية تبادل طاقة تتناسب مع أجسادهم المخلوقة من طاقة، وأكيد نوعية طاقة الملائكة مختلفة عن نوعية طاقة الجن، الخلاصة أنهم لا بد أنهم يتبادلوا المعلومات عبر إرسال موجات طاقة فيها وصف الفلم المراد إرساله والفم لا بد أن يكون سلسلة صور، وفي الحقيقة هذا بالضبط ما يقوم به الشياطين حينما يخاطبوننا نحن البشر، نحن لا نسمع كلامهم بل نشعر بوسواسهم، لذلك قال الله تعالى: من شر الوسواس الخناس، أي أنه يُرسل لنا أفكاره بالوسوسة عبر الإيحاء.
إذا الجن يتبادلوا المعلومات بالإيحاء، والحقيقة أن كل تبادلاتهم هي بالطاقة، وبمعنى أوضح ما يأكله الشياطين هو طاقة سلبية، وكلما زادت الطاقة السلبية المتوفرة زادت ضخامة نمو الشيطان – لعنه الله ونصرنا عليه – وكلمات الله تعالى تنتج طاقة إيجابية تحصن الأِشياء ومنها المأكل والمشرب والملبس وحتى الزواج فلا يتمكن الشيطان من كسب طاقة منها، والأحداث الفاسدة تنتج طاقة سلبية يتغذى عليها الشياطين ومنها الشرك والربا والقتل والزنا ومجمل الفساد.
وبكل تأكيد فإن كل الأعمال الخيرة تنتج طاقة إيجابية لا يستطيع الشيطان أن يأكلها ولا الاقتراب منها، بل لو كانت النية من تلك الأعمال هي حرق الشيطان وحربه لتوجهت الطاقة الإيجابية إليه وحرقته، أما إذا كان لا يوجد نية بهذا الاتجاه فالطاقة الناتجة هي طاقة ايجابية تبقى في الكون والله أعلم.
وتوسعا في شرح هذا الشأن المهم، فنحن البشر ندفع للحكومات مواد مما نكتسب فبالماضي كان الناس يسددون الضرائب للدولة من محاصيل الأرض والحيوانات، أما الشياطين فإنهم يدفعوا إلى دولتهم طاقة.
دولة إبليس لعنه الله تعالى ونصرنا عليه قائمة على هيكلية بحيث يقوم صغار الشياطين بسداد نسبة من مكتسباتهم للطاقة السلبية إلى من هم أعلى وبالتالي إلى قائدهم الأعلى إبليس لعنه الله تعالى ونصرنا عليه.
وبالمقابل فإنه عندما يتم الهجوم على جنوده من أئمة الكفر من البشر عبر القراءة عليهم آيات الله تعالى وكلماته، فإن إبليس يقوم بإرسال جيوش من الشياطين تتصدى للطاقة القرآنية المهاجمة ويحموا بأجسادهم أئمة الكفر معرضين أنفسهم للحرق بالقرآن الكريم وكلمات الله تعالى، ويقوم إبليس بصفته المخزن الأكبر للطاقة بعملية إمداد للطاقة المفقودة منهم وهكذا تتكون معرفتنا البدائية والأساسية عن الطبيعة الفيزيائية للقتال والجهاد ضد الشياطين وإبليس - لعنهم الله ونصرنا عليهم – وعليه ولكي يتم إيقاف تدفق هذه الطاقة عن جنود إبليس - لعنهم الله ونصرنا عليهم – لا بد من أن يتم ضرب إبليس نفسه في كل مواجهة حتى يفقد القدرة على تغذية وتعويض جنوده ما يفقدوا من طاقة إثناء القتال.
ويجب أن نوضح هنا أمر هام وهو إننا نحن البشر مخلوقين من مادة، وحسب قانون أينشتاين فإن المادة إذا تحولت إلى طاقة فإنها تكون لا نهائية، وبالتالي فإننا عندما نقرأ على الشياطين وأئمة الكفر من البشر نقوم بتحويل مادة من أجسامنا إلى طاقة قرآنية فتصبح لا نهائية تقريبا لذلك يتمكن فرد واحد من المؤمنين البشر المُخلصين من مواجهة ملاين ومليارات الشياطين بحول الله تعالى وقدرته.
إذا إبليس والشياطين طاقة سلبية فاسدة مفسدة ناتجة عن الأعمال الفاسدة، يشكلون دولة ويتلبسون البشر ويديرون شؤون الأرض من خلال حكومة خفية تتلبس أجساد البشر ولها صلات عبر السحرة لعنهم الله ونصرنا عليهم.
الحرب المقدسة.
مما سبق تدارسنا حرص المولى تعالى أن يفهمنا من أول قرآنه الكريم وحتى آخره، أن قصتنا نحن البشر بدأت عندما خلق الله تعالى أبونا أدم - عليه السلام - وأمر الملائكة أن يسجدوا له فسجدوا إلا إبليس – نصرنا الله عليه – الذي كان من الجن وكان بعبادته قد رفعه الله - تعالى - إلى مرتبة الملائكة.
رفض إبليس – نصرنا الله عليه - ال